كلمة السر: رئيس توافقي قبل الاستحقاق...

كلمة السر: رئيس توافقي قبل الاستحقاق...



متابعو التطورات السياسية الاخيرة، وبعد مضي مدة طويلة رجحت خلالها كفة الفراغ الدستوري بعد انقضاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي، والوصول الى حكومتين، وخطر حصول صدام سياسي وأمني بين فريقي 14 آذار و8 آذار، لمسوا تحولاً ما في المواقف السياسية حيث بدأت بوصلة الازمة الحالية تميل نحو التوافق!



هذا التحول، بات المراقبون كما الشعب اللبناني على بينة منه من خلال الرسائل والمعلومات والتصريحات والمواقف التي عبرت بوضوح لافت عن هذا الاتجاه خاصة من جانب الذين كانوا لا يرون الا الجنوح نحو الشرذمة والصدام، واذ بهم يبشرون بـ"توافق محدق وأكيد".

ماذا جرى، وما هي المرتكزات التي عوًل عليها هؤلاء لكي يزفون الخبر السعيد ويعبرون عن بريق أمل وتسوية ما؟



أولى تلك الاشارات صدرت عن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي جزم بانعقاد جلسة الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية خلافاً لحلفائه الذين كانوا يعبرون عن خشية متزايدة من الفراغ، ناهيك عن عودة حركة الموفدين التي عادت ونشطت في الايام الماضية فضلاً عن صدور العديد من المواقف التي كان ملؤها التشنج والانفعال لينخفض سقفها الى الاعتدال والدعوة لانتخاب رئيس توافقي، هذا اضافة الى موقف النائب ميشال المر واقراره بـ"ورقة كوسران" التي أوضح فيها موقفه لجهة "ما يجب أن يتمتع به الرئيس وأوصافه المفترضة" وهو ما شكل توجهاً نوعياً عند أحد "عرابي التوافق" الذي طالب "برئيس حيادي لا ينتمي لا الى هذا الفريق ولا الى ذاك، وضرورة أن يكون على مسافة من كل الاطراف، وأن يكون حائزاً على اجماع اللبنانيين." وهو ما فهم بأنه تحول نحو السير بما ستلتقي عليه قوى اقليمية ودولية معنية بالصراع الدولي لناحية التوافق على رئيس "تسوية" لن تكون داخلية بطبيعة الحال، بل دولية المنشأ كما جرت عليه العادة لدى كل محطة دولية، لتنسحب على الاطراف الداخلين وقد تبصر المساعي تلك النور عند الربع الساعة الاخير من انتهاء ولاية الرئيس لحود.



أسماء جديدة وقديمة ترددت عبر وسائل الاعلام وعلى ألسن بعض أهل السياسة، من بينها جان عبيد ورياض سلامه والعماد ميشال سليمان قائد الجيش ونسيب لحود وأمين الجميل، وميشال اده، غير أن الرئيس (التسوية) موضوع التداول سيكون ثمرة المباحثات التي سيتم التداول بها بين السعودية وأميركا وفرنسا وسوريا وايران، على أن يكون الدخان الابيض من نتاج مدخنة المجلس النيابي باشراف "المايسترو" السياسي الرئيس نبيه بري الذي قطع وعداً -ووعد الحر دين– مع تعهده بعدم ترك منفذ لاي فراغ دستوري، ومن المحتمل أن يكون الرجل يخفي اليوم في جعبته كلمة السر، في حين سيكون النواب –نواب المعارضة والموالاة على السواء- سعاة بريد وسعاة خير على السواء، فينقلون الامانة بتجرد وهي لن تكون سوى التسوية المفترضة التي ستنقذ البلاد والعباد من شر مستطير سينجو منه لبنان.



هذه المرة: معادلة حديثة: "رئيس توافقي أم الفوضى"..... ومن المرجح أن الحل الاول سيكون ثمرة المباحثات الدولية التي ما انكفأت عن احاطة لبنان بعطف مميز ستعلو وتيرته طالما أن شريعة الغاب والانفلات الامني سيكونان حتماً السائدين بحال الوقوع في أي فراغ رئاسي لا يحمد عقباه.

قد تكون انتخابات رئاسة الجمهورية محطة وليست مدخلاً الى الحل، لكن شخص الرئيس سيشكل العنوان العريض للمرحلة المقبلة وهو –أي شخصه- سيدلل على التوجه السياسي الذي سيشق طريقه في لبنان بموازاة المسار الذي انطلق في العام 2005 مروراً بالعامين 2006 و2007 .



طبعاً هناك فرق بين أن يكون الرئيس العتيد على مسافة واحدة من كل القوى السياسية في لبنان وفي الوقت نفسه قوياً، وبين أن يكون محايداً لكن ضعيفاً وليس باستطاعته أن يحكم في ظل هذا الكم من الجزر الامنية والدويلات والصراعات المتعددة الاوجه،



وبين هذا وذاك سلطة تنفيذية جديدة ستبصر النور، وهي لن تنطلق حكماً الا بتوافق متكامل من أعلى هرمها الى أسفل تركيبتها مروراً برئيس الحكومة التي لا ندري ان كانت ستصح فيها تسمية حكومة الوحدة الوطنية، وما اذا كانت ستدوم على وقع الاصطفاف النوعي الذي شهدناه منذ العام الماضي.

انه مخاض حقيقي يعيشه لبنان،



أية مهمات تنتظر ذاك الذي سيتطوع في سبيل تلقف كريات ملتهبة من النار التي تكوي لبنان من أقصاه الى أقصاه،



أية جبهات سيحارب في وجهها الرئيس العتيد، وأي مشروع سياسي سيحمله في خضم هذا الصراع الاقليمي والدولي الذي جعل من لبنان موقع تجاذبات وشد حبال!



أي اجماع سيلقاه، وأي دعم كذلك، وهو شاهد لحقبة من تاريخ أنهك خلالها الرجال الرجال فأضحوا شهوداً وشهداء بعيداً عن تحقيق الآمال والاحلام،



وفي موازاة الاستحقاق، تعود لغة الحرب الاقليمية والاستعدادات لها والمناورات العسكرية، فيما معركة نهر البارد شارفت على طوي صفحة الاشهر الثلاثة،



حقاً، أيام لبنان ولياليه السوداء لا يحسد عليها في هذا الصيف الحار الذي أصابه بالشلل والتوتر والترقب،



ما على اللبنانيين الا الانتظار..... لعل التوافق أم التسوية –وان لم تعجب البعض-تكون الاقل ضرراً مقارنة بالفراغ،



وبين السيء والاسوأ، يبقى لبنان "حجراً بين شاقوفين" الغرب والشرق "ومسرحأً خصباً" للمخططات والاختبارات والتجاذبات والصراعات الاقليمية والدولية.







بقلم المحامي لوسيان عون

lebfile