حين يتحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن وجود «تحالف» بين شبكات «القاعدة» وحركة «حماس»، يكون أبسط ما يعنيه انه لن يفتح حواراً مع فصيل فلسطيني ضل الطريق فمد يده الى تنظيم إرهابي. وبين ما يعنيه ايضاً رغم نفي «حماس» ذاك التحالف، ان «القاعدة» التي باتت في غزة، أصبحت على حدود مصر وعلى تخوم الإسرائيليين المتعطشين لمذابح بحق الفلسطينيين، باسم محاربة الإرهاب. وإذا كان ما عناه عباس يستحق وحده قمة عربية، كم قمة تحتاج استعادة القرار العربي، وسط أجراس إنذار، لكثرة ما قُرعت ابتليت المنطقة بالصمم؟ عشرات الأسئلة تتدافع كلما اقتربت قمة دمشق، ولعلها المرة الأولى منذ تأسيس جامعة الدول العربية يواجه فيها مؤتمر للزعماء كمّاً مخيفاً من الأخطار التي تهدد الكيانات والشعوب والسيادات، من المحيط الى الخليج، وما بينهما لا تهدر سوى أطماع غير العرب. وإذا كان بديهياً ان الأمين العام للجامعة السيد عمرو موسى لم يعنِ نفض هذه المؤسسة يديها من مبادرة لتسوية الأزمات اللبنانية، حين غادر بيروت واثقاً بأن زعماء اللبنانيين أدوا قسطهم، فاشتدت المعضلة على رقاب البلد... البديهي ايضاً ان موسى بتحذيره من مشكلات هائلة هناك تستولد أخرى (بالدفع الذاتي)، لا يقرع مجرد جرس إنذار لإنقاذ لبنان بتوافق عربي. ومن دون الإبحار في كآبة الليل اللبناني الطويل، حيث يستحق شعب عربي الرأفة بإنسانيته من مشاريع المواجهات - النكبات، مثلما يستحق الشعب الفلسطيني والشعب العراقي الرحمة مما تجره عليهما شهوات السلطة، وغباء نحر المنطقة بتحالفات خبيثة... من دون الإبحار في أمواج اليأس، ربما يجدر الرهان حتى اللحظة الأخيرة على توافق الحد الأدنى بين الدول العربية الكبرى. وليس ذاك لإنقاذ قمة فحسب، بل لتدارك انهيارات، أسبابها لم تعد اسراراً، وظواهرها تصفع الجميع، اما تداعياتها فلن تترك لأحد «رفاهية» الشماتة! إن الحد الأدنى للتوافق يحتّم حداً مماثلاً من الثقة التي تضعضعت منذ تداخلت الأدوار الخارجية في نسيج القرار العربي. ويدرك القادة أن المنطقة مقبلة على ما هو أخطر بكثير من شبح الصوملة والبلقنة، في ظل وجود أطراف تستسيغ تعميم النموذج العراقي، مع فارق بسيط: أن الاحتلال في العراق طالما هو باق لن يسمح بانفلات حمم الصراعات بين اهل البلد الى الحد الذي يرغمه على الرحيل، في توقيت قسري... والفارق إذاً انها اذا انفلتت في لبنان أو فلسطين سيكون حصاد الكوارث للعرب وحدهم. بالتجريب، فلنعرض على «حماس» مثلاً تحالفاً مع جهة بديلة من «القاعدة» أو حتى من ايران، مع التسليم بكرهها العضوي لأي علاقة مع سلطة عباس، فمن ستختار؟ وليس المقصود بالطبع إثارة شكوك ما بوجود علاقة بين اختيار الحركة اليد الإيرانية الممدودة (بالسلاح والمال كما يقال)، وبين اختيارها حلفاً مع «القاعدة» كما يؤكد الرئيس محمود عباس. لكن احداً لا يمكنه شطب محاولة «حماس» اختراق الحدود المصرية، من الذاكرة. كانت تلك إشارة إنذار الى مرحلة جديدة في المنطقة، لن يحصد نتائجها الفلسطينيون وحدهم، ومثلما تغلُب على جرأة القرار والتنازلات المتبادلة، لغة التحسر وتمني الإنصات لوسيط عربي، تتداخل الانكسارات مع لغة الانتصارات. وبين اهالي غزة والضفة، يغلب مَن فقد الأمل إلا بالآتي الأعظم من «انقلاب حماس». وفي النموذج اللبناني، لا تستسلم أوروبا لليأس من المبادرة العربية، كما لا يستسلم موسى لفقدان الأمل بأن يصغي العرب والمعنيون إقليمياً لندائه، لئلا تصمّ آذانهم «تشققات» ما قبل الانهيارات الكبرى... إذا تركوا زعماء اللبنانيين وحيدين في مواجهة تحالفاتهم (!)، وسياسة العناد حتى آخر لبناني. إن استعادة القرار العربي تحتاج بالتأكيد أكثر من قمة عادية في ظروف استثنائية. أما اللعب على حافة البركان، فلا يضمن حصانة لأحد، مهما تذاكى في مواجهة مصالح الكبار. وهؤلاء ليسوا بالطبع من اهل القمم، ولا فاعل خير، ضنيناً بدماء العرب ومصيرهم. |