آراء وتوقعات حول القمة الدمشقية

تتجه الانظار الداخلية، العربية، الإقليمية والدولية باتجاه التاسع والعشرين من آذار، تاريخ نجاح أو فشل، انعقاد أو عدم انعقاد القمّة العربية في العاصمة السورية دمشق، والتي يسعى نظامها جاهدًا لعقد قمّة على أعلى قدْر ومستوى من التمثيل العربي، الأمر الذي تعتبره القيادة في سوريا - إذا ما تأمّن – بمثابة نصر لها في وجه الحصار السياسي الغربي المفروض عليها، ومتنفّسًا لها من الضغوط المتصاعدة من قبل عواصم القرار في العالم، بسبب سياساتها في المنطقة، من فلسطين إلى العراق وطبعًا لبنان.
ولكن ما الذي يقف عائقًا أمام إنجاح القمة العربية؟ وما المطلوب من هذا النظام لتأمين المشاركة العربية الفاعلة في القمّة الدمشقية؟

يؤكّد مراقبون في هذا الإطار، أنّ الجواب يكمن في سلوك النظام السوري نفسه تجاه معظم الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية التي اتّهم الرئيس السوري بشار الأسد رجالاتها يومًا بـــ"أنصاف الرجال"، وما استتبع ذلك من حملات التهجّم المبرمجة على المملكة عبر الصحف الناطقة باسم النظام السوري وحلفائه في لبنان.

وقبل ذلك ومعه وبعده، ما يقوم به هذا النظام من سلوكيات تشق الصف العربي، بدءًا من المساهمة في مدّ النفوذ الإيراني الى الداخل العربي مرورًا بالتدخل في الشأن العراقي، والتعاطي ذاته في الملف الفلسطيني (لا سيما دور النظام السوري في إفشال "اتفاقية مكّة" بين الفرقاء الفلسطينيين) وصولاً إلى الأزمة اللبنانية الراهنة، وتكريس الفراغ الرئاسي في لبنان بفعل إصرار المعارضة (مدعومة سوريًا) على مطلب "الثلث المعطّل" في الحكومة الجديدة في مقابل تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية. هذا في حين يرى آخرون أنّ القمّة العربية ستُعقد في موعدها في دمشق بغضّ النظر عن مستوى التمثيل العربي فيها أي، بمن حضر، وأنّ سوريا لن ترضخ للضغوط العربية لا سيما في الملف اللبناني خصوصًا وأنّ سيف المحكمة الدولية لا يزال يلوح في أفق النظام السوري وبالتالي ما من مصلحة لسوريا في تسوية لا تلحظ هواجسها ومصالحها.
لمزيد من الخوض في هذا الموضوع يعرض موقع "nowlebanon.com" بعض وجهات النظر التي تلقي الضوء على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في ما خصّ القمة العربية المقبلة التي وبكل تأكيد ستُشكّل الساحة الداخلية اللبنانية انعكاسًا لنتائجها.
في هذا السياق عبّر النائب أيوب حميّد عن أسفه للواقع العربي الحالي المشوب بالخلافات، لافتًا إلى أنّ لبنان الذي يتأثّر بحال العلاقات العربية – العربية هو حاليًا جزء من هذا الواقع المتأزّم، واستبعد حميّد في حديث لموقعنا أن تتمكن القمّة العربية المقبلة من معالجة ملفّات جوهرية في ظلّ التشنّج الراهن في المنطقة مبديًا اعتقاده بأنّ القمة لن تكون ناجحة وأنّ نتائجها لن تكون على مستوى الآمال، وقال: "فلتُعقد القمّة طالما أنّها دورية ولكن أرجّح أنّها لن تكون ناجحة حتّى من حيث الشكل".

وأضاف حميّد ردًّا على سؤال: "ليس من مصلحة سوريا عقد قمة فاشلة على أراضيها، وأتوقّع أنّها تسعى لترميم العلاقات العربية لابعاد القمة عن التفجّر".

وعما إذا كان المطلوب من سوريا ممارسة نفوذها في حلّ الأزمة اللبنانية لانجاح القمة، تساءل حميد: "لماذا لا نطلب من دول عربية أخرى ممارسة نفوذها للمساهمة في حلّ الأزمة اللبنانية بغية إنقاذ القمة العربية؟".
من جهة ثانية، أكّد سفير لبنان السابق لدى واشنطن رياض طبارة لموقعنا أنّ المطلب العربي من سوريا اليوم هو تسهيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية كشرط لحضور قادة الدول العربية القمّة في دمشق "وإلا سيكون مستوى التمثيل العربي في القمّة متدنيًا ما سيؤدّي إلى فشلها".

وإذ شكّك في إمكانية نجاح أي قمة عربية تغيب عنها السعودية ومصر والأردن، أبدى طبارة ثقته باستمرار الاتصالات والمبادرات العربية "لأنه لا نيّة للتخلّي عن لبنان"، وأعرب كذلك عن اعتقاده بأنه "ليس من مصلحة سوريا فشل القمة العربية المقبلة وتوسيع الفجوة بينها وبين دول عربية فاعلة".
إلى ذلك، اعتبر مصدر موثوق في المعارضة لموقعنا، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ "آذار تاريخ وهمي" للحل، معتبرًا أنّ فشل القمة العربية لن يُعقّد أمورًا هي معقّدة أصلا "لأننا دخلنا في مرحلة مراوحة صعبة للغاية بعد فشل المبادرة العربية التي "نعاها" عمرو موسى من خلال تصريحاته بعد مغادرة لبنان وبات أفق الحل مسدودًا خصوصا بعد أن طلب موسى من رئيس مجلس النواب نبيه بري أن ينسى موضوع "س. س" الذي يراه مفتاحا للحل الداخلي". وتوقّع أن تستمرالعلاقات السعودية - السورية على توترها خصوصا بعد الزيارة "الفاشلة "التي قام بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى سوريا مؤخرًا، لاسيما وأنّ الاخيرة لا ترى مصلحة لها في الرضوخ للضغوط العربية لتسليف ورقة لبنان من دون مقابل".
وفي حديث لموقعنا أكّد ديبلوماسي عربي فضّل عدم الكشف عن اسمه "أنّ الاجواء بين السعودية وسوريا وصلت إلى حدّ كبير من التوتر يكاد يكون الأول من نوعه بين البلدين وخطورته أنّ أوراق الخلاف باتت مكشوفة". وأضاف "وسط التشابك الحاصل يظهر أنّ كل طرف عربي يريد شيئا محددا من القمة المقبلة، فسوريا تريد استلام رئاسة الدورة العربية وتجديد علاقاتها مع العرب بغية فكّ العزلة المفروضة عليها في حين أنّ المملكة العربية السعودية تريد انتزاع الحل في لبنان وإفهام النظام السوري بأنه لم يعد بإمكانه التفرّد بالقرار في لبنان".

ولفت الدبلوماسي العربي ألى أنّ هناك من يعتقد أنّ سوريا بلغت أعلى مستوى من المواجهة ولم يعد من مصلحتها تجاوز هذا الحد لأنّ ذلك لن يؤدّي فقط إلى إفشال القمة العربية في دمشق بل سيضع دمشق نفسها في مواجهة العرب جميعًا، وبالتالي لم يعد أمام النظام السوري سوى أن يبدأ بإظهار بعض المرونة الحقيقية في المواقف والاستماع بجدّية إلى مطالب الدول العربية".

وكشف الدبلوماسي العربي معلومات تفيد قيام قطر والأردن بتحرّك باتجاه سوريا بالتنسيق مع السعودية ومصر لإقناع القيادة السورية بتليين موقفها في موضوع الانتخابات الرئاسية اللبنانية مقابل الحصول على ضمانات للمعارضة في لبنان، كمثل التوصّل إلى تفاهم على ورقة مشتركة تعدّها وترعاها جامعة الدول العربية يوافق عليها كل من الموالاة والمعارضة بمباركة سعودية – سـورية، مضيفًا أنّ التحرك القطري- الاردني هذا قد تستتبعه في حال ملاءمة الظروف خطوة أوسع حيث يمكن حينها لرئيس الدورة العربية الحالية الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز أن يدعو الى قمة رباعية (مصرية – سعودية – أردنية - سورية ) تُمهّد لقمة دمشق ويتم التفاهم خلالها على كافة الملفات المختلف عليها وفي مقدّمها الملف اللبناني، لافتًا في الوقت عينه إلى أنه حتى الآن لا تزال مشاريع التحرك هذه قيد التبلور وإذا ما تكلّلت بالنجاح سيكون لها انعكاسات اقليمية وداخلية خلال الايام المقبلة.

وشدّد الدبلوماسي العربي على أنّ "الكرة حاليًا في الملعب السوري لان الدول العربية قالت ما عندها والرئيس المصري خير من عبّر عن هذا الامر وبالتالي على سوريا أن تختار بين قمة يحضرها كل العرب وتشكل صفحة جديدة في العلاقات السورية – العربية، وبين قمة هزيلة تتعمّق على اثرها الخلافات السورية – العربية".
وختم بالقول "مما لا شكّ فيه أنّ عنوان الأزمة الأساس حاليًا هو لبنان وأغلب الظن أنّ سوريا لا تريد تقديم تنازلات من أجل القمة فيما عينها على ملفات اكثر سخونة، وبالنسبة لسوريا "لبنان الملف" أهمّ بكثير من أي شيء آخر انطلاقًا من أنّ المحكمة الدولية هي هاجس سوريا الأكبر".
في المقابل، نقل مصدر مقرّب من سوريا لموقعنا أنّ التوجّه الراهن لدى القيادة السورية بأنّ القمة العربية ستُعقد في دمشق "كيفما كان" "وبمن حضر" وأنّ المسؤولين السوريين يستغربون رهن قيادات بعض الدول العربية مشاركتهم في القمة بحلّ الازمة اللبنانية، متسائلين لماذا لا تتم معالجة الموضوع اللبناني في القمة؟ أوليس من مسؤوليات القمم العربية حل مشاكل الدول العربية سواء كانت هذه المشاكل على مستوى وضع الدول نفسها أم مع بعضها البعض؟".