اختطفوا لبنان !

موضوع: اختطفوا لبنان ! السبت مارس 01, 2008 1:33 pm

اختطفوا لبنان !

راجح الخوري (النهار) ، السبت 1 آذار 2008

إرسال المدمرات امام الشاطئ اللبناني لن يحل بالتأكيد الأزمة المستفحلة التي تضع هذ البلد على حافة انفجار قد يطيح كل شيء فيه وفي المنطقة ايضا.
فقد سبق لنا وللاميركيين والعالم ان عرفنا كثيرا من الشرور التي نجمت عن ديبلوماسية التحشيد البحري عام 1958 ثم عام 1982. والمؤسف لا بل ما يدمي القلب والعقل انه بمجرد وصول هذه الاساطيل تنفجر عادة الخلافات الداخلية وينتقل اللبنانيون من طور المناوشة الى طور الاشتباك وهو ما جعلهم دوما يحصدون الهزائم رغم ان لا مكان للمنتصرين في هذا البلد عندما يكون القتال بين الاخوة والشركاء!

لكننا لم نتعلم شيئا من دروس الماضي. تماما مثل الاميركيين الذين لا يتعلمون ايضا. وهكذا يجب ان يكون واضحا للجميع الآن، ان على الأفرقاء السياسيين في هذا البلد البائس ان يذهبوا فورا الى الاتفاق الذي ينهي الازمة السياسية التي تعطل الدولة وتهدد مستقبل لبنان، لا ان يذهبوا الى مزيد من الانقسام والصراعات على خلفية التحشيد البحري.

الذين يعارضون ديبلوماسية الاساطيل المسلحة، عليهم قبل غيرهم الآن، تسفيه الاجراء الاميركي بترتيب مخرج سريع للازمة يؤدي الى انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل ان تتمايل المدمرة "يو اس اس كول" امام الشاطئ اللبناني.

كذلك على الذين يرتاحون الى بيانات التأييد الاميركية التقليدية "للديموقراطية الناشئة" في لبنان، ان يأخذهم القلق من الاجراء الاميركي الذي يشكل استفزازا لخصومهم السياسيين، وان يحاولوا ايجاد حل سريع ينهي الازمة ويخطف لبنان بعيدا من موضع الساحة او الحلبة التي قد تتم فوقها عمليات الملاكمة.

ان التفاعل السلبي المؤذي الذي قد يصير مدمرا بين الخلافات الداخلية اللبنانية، وبين الانقسام العربي الذي قد ينسف فعالية القمة العربية، وكذلك الصراع الاقليمي الدولي الذي قد يشعل المنطقة برمتها، هذا التفاعل لا يمكن ان يتوقف الا بارادة اللبنانيين، والتحدي الاكبر الآن ليس "خطف الاستحقاق" فحسب كما كان يقول الرئيس نبيه بري بل "خطف لبنان" ايضا من "ممر الافيال" كما دأب الرئيس فؤاد السنيورة على القول!

يحتاج البعض في لبنان الى حد ادنى من الواقعية والموضوعية ليفهم مرة اخيرة، ان الازمة في عمقها ليست ازمة رئيس للجمهورية او حكومة تشكل بعقلية الارقام والديجيتال، بل هي ازمة هوية لبنان وموقعه واصطفافه في الصراع المفتوح على مداه بين زعيق الاميركيين حول الديموقراطية في المنطقة، واصرار الايرانيين والسوريين وحلفائهم المقاومين على إلحاق الهزيمة بأميركا.

وبغض النظر عما اذا كان يمكن هزم اميركا ام لا في النهاية، فان من المؤكد ان لبنان هو بمثابة حلبة متآكلة لا تستطيع أن تتحمل رقصة التانغو بين العشاق. فكيف اذا كانت مناطحة الافيال او المدمرات ستتم فوقها؟!

ان الرد الموضوعي والعاقل على التحشيد الاميركي الذي يقول مسؤول كبير في ادارة الرئيس جورج بوش "انه جزء من اشارة الى تحرك من جانبنا واعضاء آخرين (لاحظ الاشارة الى "اعضاء آخرين") في المجتمع الدولي لاظهار قلقنا من السلوك السوري"، هذا الرد هو بالاتفاق بين اللبنانيين الآن وليس غدا على انهاء الازمة بما ينقذ لبنان ويؤدي الى نجاح القمة وينزع قسما اساسيا من الذرائع التي سيقت لتبرير التحشيد البحري.
قد يأتي بالتأكيد من يوشوش في آذان بعض المعارضين في لبنان، انه لا يجوز الذهاب الى تسهيل الحل والتسوية الآن، لان هذا سيبدو وكأنه نتيجة خوف من الاساطيل. ان مثل هذا الكلام هو باطل الاباطيل، لان الحكمة تقضي فعلا ببذل كل الجهود لسحب لبنان من موقع الحلبة التي قد تحترق الى موقع الوطن الذي يجب ان يعكف على تضميد جراحه الكثيرة.

وان هذا لا يشكل دعوة الى تحييد لبنان من التزاماته القومية حيال فلسطين، او عن حتمية نظرته الى اسرائيل كعدو، بل يشكل دعوة الى سحب هذا البلد المدمى من تحت اقدام المتصارعين