المدمرة "كول" والقمة اللبنانية

لم يكن وصول المدمرة الأميركية "كول" Cole الى قرابة الشواطىء اللبنانية، خطوة متوقعة. فقد نجح أصحاب القرار في أميركا بالفعل، في مفاجأتنا بهذه الخطوة، ولكن المفاجأة الأكبر كانت في التفسير الذي أعطي لجهة أنها رسالة الى سوريا وايران بأن الاستقرار في لبنان هو في صلب الاهتمام الأميركي. واذا كان بعض السياسيين عندنا أظهر خفة كبيرة في التعاطي مع القضية برمّتها (وخصوصاً من خلال التعليق على كلمة "كول" وربطها بالطعام، علماً أن ثوان قليلة على الانترنت كانت أكثر من كافية ليعلم هؤلاء ان الاسم أطلق تخليداً لذكرى رقيب في البحرية الأميركية يدعى "داريل كول" يقول الأميركيون في سيرته أنه أظهر بسالة كبيرة خصوصاً في معركة "ايو جيما")، فإن قسماً آخر اتخذ من هذه المدمرة سبباً اضافياً لاتهام الطرف الآخر بأنه سبب مجيئها فالموالاة اتهمت المعارضة باستحضار "كول" بسبب تصريحاتها ولهجتها، والمعارضة اتهمت الموالاة بأنها السبب وراء ظهور المدمرة الأميركية للاحتماء بها. وبعيداً عن هذه الاتهامات وتلك، لا شك ان الرسالة الأميركية لم تكن مفهومة من الناحية العسكرية، اذ ما الذي يمكن لهذه المدمرة أن تفعله؟ من المؤكد انها لن تتورط في اي انزلاق مسلح (فهي ليست مؤهلة لذلك كونها تحمل صواريخ مضادة للصواريخ…)، كما انها ليست بالقطعة البحرية الأهم لاظهار العضلات الأميركية، اضافة الى أنها لم تدخل المياه الاقليمية اللبنانية. ولكن اللافت رغم كل ذلك، أن وجودها (وفق الأميركيين) هو رسالة الى سوريا وايران، وكأن لبنان بات صندوق بريد دولي بعد أن تحول في فترة من الفترات الى صندوق بريد محلي واقليمي. وبدل ان نغتبط كلبنانيين بهذا الأمر لأنه قد يصبح لبنان بريدياً بأهمية "ياهو" و"غوغل" وغيرها من المواقع الالكترونية، فتفتح شهية "مايكروسوفت" على شراء خدماته البريدية بملايين الدولارات، نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا. فهل سنكتفي بأن نكون مستوعباً للرسائل السياسية أم أننا سنتحول الى مستودع للرسائل الأمنية والعسكرية والحربية والتدميرية؟ والسؤال هو: اذا كان الهدف من وراء وصول المدمرة "كول" لا يتعلق بلبنان وفق تحليلات البعض، فلماذا هذه البلبلة اللبنانية وتبادل الاتهامات والشتائم؟ واذا كان مجرد وصول "كول" الى قرابة الشواطىء اللبنانية أثار هذه العاصفة، فهل كان تحريك الأساطيل الى هذه المسافة او ارسال قطعة بحرية بالغة الأهمية والخطورة يكون سبب "تسونامي" لبناني ينعكس على المنطقة ككل؟ ولعل اختلاط الأمر على اللبنانيين عائد للرشقات التي اطلقت في مساء اليوم نفسه لاذاعة خبر وصول "كول"، وترافق مع اطلاق قذائف "ار.بي.جي" الا أنه تبيّن بعدها أن السبب هو مقابلة تلفزيونية لمسؤول سياسي. وبعد ان "طوّش" اللبنانيون الرصاص، ها هم "يطوّشون" القذائف فاختلط الرصاص الطائش بالقذائف الطائشة، وبقي الخوف مسيطراً على المدنيين. والغريب أن كل هذه التطورات تحصل فيما العرب منشغلون بتأمين الحضور او عدمه للقمّة العربية المزمع عقدها في دمشق، وبات الهم محصوراً فقط في من سيحضر هذه القمة بدل أن ينصب على الاهتمام بالملفات العربية بعمق وجدية. واذا كان صحيحاً أن درجة التمثيل تعكس موقفاً سياسياً، فإن الصحيح ايضاً أن العرب ولو حضروا جميعاً وعلى أعلى المستويات، لن يكونوا على قدر المسؤولية. والأزمة اللبنانية خير دليل على ذلك، فقد تحولت "القمة العربية" الى "قمة لبنانية" والسبب ليس درجة تمثيل هذا البلد، بل ما اذا كان سيمثّل أصلاً وكيفية ايجاد مخرج لتلسيم الدعوة ومعرفة من سيخرج المسألة من عمق الزجاجة. فإذا تمثل لبنان بالرئيس فؤاد السنيورة، قامت القيامة عليه من الموالاة والمعارضة على حد سواء، للأسباب المعروفة. واذا تمثل لبنان بالرئيس نبيه بري، قامت القيامة عليه أيضاً انما من جانب الموالاة والمسيحيين. واذا غاب لبنان عن القمة، قامت القيامة لأنه يجب أن يكون ممثلاً في قمة كرّست غالبية بنود جدول أعمالها لبحث قضيته. نأمل أن يتم بالفعل انتخاب رئيس للجمهورية في 11 آذار المقبل، فتحل القضايا السياسة الخلافية مع الدول الاقليمية والدولية أولاً، ويتفرغ اللبنانيون والخارج لتسيير القضايا اللبنانية بطريقة ترضي الجميع.
	بقلم جاك الخوري