لن يخجل أولمرت ولا باراك بإحراج الوزيرة كوندوليزا رايس، إذا امتنعت عن تأجيل جولتها الشرق أوسطية، عبر إعطائهما الضوء الأسود لبدء اجتياح لقطاع غزة، قد يتزامن مع وجودها في القدس المحتلة. هما لا يريان مبرراً لأي خجل، رغم مجزرة السبت الأسود في جباليا، ولعل الوزيرة أيضاً لن تشعر بإحراج خصوصاً إذا صدقت توقعات من يميلون الى نظرية المؤامرة، والتواطؤ الأميركي – الإسرائيلي مجدداً في حرب على غزة يُراد لها ان تغيّر الواقع على أرض القطاع – حيث قبضة «حماس» ومسلحيها و «كتائب القسام»... وحيث الإدانات مهما تراكمت، عربية وفلسطينية وغربية، لن تنقذ مدنيين ابرياء، لا حول لهم ولا قوة بين عبث صواريخ التحدي، وجنون الحقد الإسرائيلي. لم يترك أولمرت وباراك أي مجال للشك بأن امام فلسطينيي غزة مهمة إعداد عشرات النعوش، ما دام الهدف إرغام «حماس» وسلطتها على «دفع الثمن الباهظ». ووسط نحيب النساء وصراخ الآباء الذين مزقت القذائف الإسرائيلية أجساد أطفالهم، تتضاعف مآسي الفجيعة إذ ما زال بين العرب مَن يسأل عن اصوات التنديد والإدانة كأنها ستقصف رعباً على الجيش الإسرائيلي، أو تطأطئ رأس أولمرت الذي ما زال رهينة هاجس الثأر لتموز (يوليو) اللبناني. وبعيداً من سريالية عبث المتكئين على سياسة الصراخ في المنطقة، وهي لم تُخِفْ يوماً عدواً، بل تبقى بامتياز الوجه الآخر لنهج طعن الشقيق وشطب «وطنيته» باتهامات التآمر... بعيداً من العبث العربي، والفلسطيني فرع منه، يجدر التساؤل عما اذا كانت «كتائب القسام» تعتبر انها تعلمت ايضاً من عِبر تموز 2006 فزادت مدى صواريخها، لتصبح اشد إيلاماً للإسرائيلي، كما توحي وقائع السبت الأسود في جباليا قبل يومين. الأكيد، إذ يدعي أولمرت انه تعلّم من تموز، ولن يكرر سقطاته التي أوقعت أكثر من ألف شهيد لبناني، ولم يجنِ هو أي نصر، أن باراك وفيالقه وألويته وحاخامات الجيش الإسرائيلي باتوا مستعدين لعشرات المجازر يومياً في قطاع غزة، من اجل منع إذلال الدولة العبرية بتموز ثان. ببساطة، القرار هو إنهاء خطر الحرب الصاروخية التي قلبت موازين القوى في المنطقة لمصلحة فصائل فلسطينية باتت تتحدى «هيبة» التفوق العسكري الإسرائيلي، كما فعلت صواريخ «حزب الله» عام 2006. ولأن تموز انتهى بقرار دولي، أبرز مفاعيله إبعاد الحزب وترسانته الصاروخية الى شمال نهر الليطاني، وإنشاء منطقة عازلة بنشر قوات دولية، تواجه اسرائيل في قطاع غزة خيارين: كسر قبضة «حماس» والفصائل المتحالفة معها، وهو خيار باهظ الثمن بالكلفة البشرية، يضاعفها أي اجتياح شامل، أو إنهاك قدرة الحركة على الرد بغارات جوية مكثفة واجتياح محدود، لإرغام «حماس» على البحث عن مخرج تحت كنف السلطة الفلسطينية. بين مفردات هذا المخرج، ايجاد واقع مغاير في غزة، استبقه بعض الأصوات في الحركة برفض عودة سلطة الرئيس محمود عباس «على ظهر دبابة إسرائيلية». وإذا كان صحيحاً ان خالد مشعل اتهم عباس بتقديم الغطاء للضربات الجوية الوحشية، فالصحيح ايضاً ان مشعل عرض على إسرائيل من دمشق هدنة متبادلة أي مشروطة بوقف خطط باراك، وقدم باليد الثانية ورقة حوار بلا شروط مع الرئيس الفلسطيني. والسؤال ما اذا كان العرض المزدوج متأخراً جداً، مع باراك الذي يتحدى الجميع بأن يجرّبوه ولن يثق بأي هدنة مع «حماس» المتهمة باستقدام ايران وصواريخها الى تخوم اسرائيل... ومع عباس الذي لم يسمع بعد بقبول الحركة حواراً مع السلطة على قاعدة إنهاء «الانقلاب» في غزة، أي الرضوخ لشراكة مع عباس بشروط شرعيته. أما الرهان على أي «حرج» إسرائيلي في استكمال المحارق في غزة، فلعله يشبه توهم قدرة القنابل والصواريخ الإسرائيلية «الذكية» على التمييز بين مسلحي غزة ومدنييها. وأما نجم الوزيرة تسيبي ليفني الذي يأبى التراجع الى المراتب المتأخرة في المراحل المصيرية، كما أظهرت في حرب تموز، فيدفعها الى دق اسفين آخر بين عباس و «حماس»، لذلك لا يحرجها وقف السلطة المفاوضات، بعد سبت المجازر، وتذكير الرئيس الفلسطيني بأن «دفاع إسرائيل عن مواطنيها كان شرطاً اساساً للحوار مع الجهات البراغماتية» بين الفلسطينيين. أي حرج ولو جاءت رايس؟... لعل آذار غزة نسخة منقحة عن تموز لبنان، والفارق كما يدعي الإسرائيلي أنه «تعلّم الدرس»، وأن المدمرة الأميركية «كول» حاضرة شرق المتوسط لردع من يفكر في إنقاذ «حماس»، وتوسيع أرض المعركة. ولكن، من ينقذ أهل غزة من العبث، وجنون الحقد؟... صواريخ العبث وغارات الحقد؟ |