شو ما صار انتصار

جورج العاقوري ،

بعد استشهاد اكثر من 110 فلسطينيين في خمسة ايام مثقلة بالدموع الدامية، تفتحت اعين الشعوب العربية صباح اليوم على الزغاريد بـ"نصر الهي" جديد. فما كاد الاسرائيليون يعلنون انسحابهم من غزة منهين عملية "الشتاء الساخن" التي امطرت بنيرانها البشر والحجر، حتى اعلنت حركة المقاومة الاسلامية- حماس ان "العدو دحر". واعتبرت أنها حققت "انتصاراً"، مباركة "الايادي المتوضئة التي صنعت هذا الانتصار".

سوريا سارعت بعد انتهاء العملية العسكرية الى تنظيم "مسيرة الغضب" في ساحة يوسف العظمة. حيث ردد الالاف من "بواسل البعث" آيات التكبير، وهتفوا: "ويلا ويلا يا يهود... جيش محمد سوف يعود". فخيّل للسامع أن "الاخوان المسلمين" قاموا من تحت ركام حماه ليملأوا ساحات دمشق. كما رددوا: "يا نصر الله ويا حبيب اقصف اقصف تل ابيب" و"سلحونا سلحونا على غزة ابعتونا"، فاعتقد السامع ان الامكنة التبست عليهم وأن المقصود الجولان. وليس الامكنة فقط بل الاشخاص ايضاً.

أما في لبنان، فشملت التحركات الاحتجاجية داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها. واعتصم مئات من الاطفال من تلامذة مدارس حزب الله بدعوة من التعبئة التربوية امام مقر الامم المتحدة في وسط بيروت احتجاجاً على "المجازر" الاسرائيلية. وهم الذين لم يتضامنوا يوماً مع اهالي المفقودين والمعتقلين في السجون السورية الذين دخل اعتصامهم امام "الاسكوا" عامه الثاني. كما نظّم حزب الله حتفالاً في الضاحية الجنوبية لـ"انتصار غزة هاشم على تجار قريش ويهود خيبر".

إنها ثقافة "شو ما صار انتصار" التي تعتبر ان "لا صوت يعلو فوق صوت المدفع"... لا عويل الاطفال ولا نحيب الامهات ولا شهيق الحبيبات المفجوعات. ثقافة "الدماء والاشلاء" التي تنشّئ الاجيال على العنف الذي يعمي البصر والبصيرة. ثقافة إحراق الاعلام بعد دوسها بالارجل. ثقافة بعيدة كل البعد عن حسابات "الربح والخسارة" وفق المقاييس الانسانية وحتى ايضاً المادية... أي انتصار هذا!!