ليست الأزمة القائمة بين النظام السوري وكل من مصر والسعودية من النوع الذي ينتظر حلحلة على صعيد «المبادرة العربية» في ما عنى رئاسة لبنان، لفتح بوابة العبور باتجاه «القمّة العربية». فهذه الأزمة حادّة وتتجاوز الطابع المشخصن أو المزاجي الذي قد يعطى لها، وان كان طابعا لا يُسقط عنها. الأزمة حادّة الى حدّ أن أي انعقاد «جدي» للقمة سيكون لصالح دمشق ووجهة نظرها في الموضوعات المتفجرة، كما أن أي إلغاء أو تأجيل غير متفق عليه للقمّة سيكون لصالح القاهرة والرّياض. هذا مع الاشارة الى أن كل محور يمسك ابتداء بورقة قوة. فدمشق تمسك بمناسبة القمة ولا تريد عنها فكاكاً، تعتبرها محطة حيوية لتسويق الخطاب الأيديولوجي والسياسي لمن يصفون أنفسهم «بالممانعين». أما الرياض والقاهرة فإن لم تحضرا الى القمة، ستحجبان عنه، ضمناً أو جهراً، المستوى المطلوب من المشروعية. وليس من المسلّم به أن تجري لفلفة لهذا الخلاف أو الحدّ منه، لتمرير قمة ميسّر دربها بأقل التكاليف. يمكن أن تندلع الحرب الاعلامية عشية الموعد المحدّد للقمّة أكثر من أي وقت كان. واذا ما تحول منبر القمة الى منبر للحرب الاعلامية من طرف واحد، فإن الحدّ الأدنى للعمل العربي المشترك، أي الاطار المسمّى «جامعة الدول العربية» سيكون مهدّداً بالتآكل أكثر من ذي قبل. فالاشكالية التي تحول دون القمة، أو التي تحاذر بفرط المتبقي من عمل عربي مشترك، بمناسبة القمة، هي اشكالية «المكابرة»، بما تعنيه من استقواء بالشعارات الشعبوية في القمة، وتوجيهها من نظام بعينه ضد أنظمة أخرى، وعلى حساب القضايا العالقة، كالقضيتين اللبنانية والفلسطينية، من حيث هما اليوم أكثر من أي وقت مضى، قضيتا قرار وطني مستقل، وهو قرار تعتبر المحكمة الدولية شرط امكانه في ما عنى لبنان، كما تعتبر استعادة الشرعية الوطنية الفلسطينية لقطاع غزة من بعد المصالحة الوطنية الواجبة بين فتح وحماس، شرط امكانه في فلسطين. لا قيمة لأي قمة عربية ان نهضت على أساس منطق المكابرة. لا قيمة لأي قمّة عربية ان كانت استقلالية القرارين اللبناني والفلسطيني من قرابينها. لا قيمة لأي قمّة عربية ان لم يقلع المشاركون فيها عن أدبيات هجاء «التخاذل العربي»، و«الصمت العربي»، وأدبيات «التنمير» على «بيانات الاستنكار والإدانة». ما الضير ان لم يكن بمقدورنا غير تدبيج بيانات الاستنكار والإدانة؟ هل من البديهي أننا نملك ما هو أكثر نجاعة وفعالية، وأقل تسبّباً بخيبات مزيدة، وكوارث لا تنتهي؟! لا قيمة لأي قمّة عربية لا تشارك بها السياسة. والسياسة تعني في هذا المقام الالتزام بالمعايير التاريخية للانتصار والهزيمة، وبالمقادير الدولية للربح والخسارة، وبالاختلافات المشروعة بين الدول العربية، وبكون هذه الاختلافات تعكس الى هذا الحد أو ذاك تناقضات في المصالح بين الكيانات العربية نفسها، وهي تناقضات لا تُزال بالمكابرة، ولا تُحجب بالممانعة. لا قيمة لأي قمّة عربية اذا ما ادّعى فيها نظام أنه ليس نظاماً وانما هو «شعب»، بل يتكلم باسم كل «الشعوب العربية»، باسم ضمير الأمة، عوضاً عن اجماعها، وفي مواجهة «الأنظمة» الأخرى، التي يتشارك معها بعدم القدرة على تحسين موقع العرب جملة تجاه عدوتهم اللدودة اسرائيل، وعدم قدرتهم على منع تغلغل أو توغل الدول الشرق أوسطية الأخرى غير العربية، إما بالاعتماد على سياسات «تجنيد الأقليات المذهبية» لحسابها، وإما بالاعتماد على سياسات «استهداف الأقليات العرقية» عندنا لارهاب أي نزعة انفصالية عندهم. لا قيمة لأي قمة عربية ان لم يكن موضوعها هو: ما العمل بعد ان لم يكترث العدو الاسرائيلي بمبادرة قمة بيروت، التي كان قد سحب منها عنصر المبادرة، حين عادت واستظلت بالقراءة العربية التقليدية للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ ما العمل بعد أن تخلى العدو الاسرائيلي عن فكرة «السلام الشامل» المحقّق بشبكة من التسويات المتكاملة، ولجأ بدلاً من ذلك الى انسحابات أحادية في جنوب لبنان وفي قطاع غزة، ما أدى الى كشف مشهدية الوحدة الوطنية الناقصة في البلدين، وما أدى لاحقاً الى كلفة دم ودمار عالية، من دون أفق سياسي حقيقي، وهو أفق ليس يمكن من دونه لا أن يصدق الشعر، ولا أن يخرج النثر بدلالات. لأجل ذلك، يبدو أنه من الضروري عقد قمة مصغرة بين سوريا ومصر تحديداً، في شرم الشيخ، في أسرع وقت ممكن، يصدر عنها بيان يكفل تأجيل القمة العربية حتى اشعار آخر |