ان انتظار أفكار من سورية حول المحكمة الدولية لمقاضاة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري غير مجد. فالمحكمة الدولية ليست محكمة في يد القانون اللبناني، بل أصبحت في يد القانون الدولي منذ أكثر من سنة، بسبب إغلاق البرلمان اللبناني من قبل حلفاء سورية في لبنان، وانشئت في اطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ومن يحاول اليوم إيجاد حلول للمسألة اللبنانية عن طريق تغيير القانون الدولي، يقوم بمهمة غير ممكنة لأن المحكمة الدولية لم تعد قابلة للإلغاء. أما عن ايجاد حلول أو ضمانات لسورية، بالنسبة الى هذا الموضوع فإن قانون المحكمة الذي نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1757 يعطي حصانة «لرئيس الدولة»، إلا أنه لا يعطي أكثر من ذلك. وقانون المحكمة ينص أيضاً على إمكان محاكمة المتهمين غيابياً. ومن يتكلم الآن عن ايجاد أفكار للمحكمة الدولية، يبحث عن تحرك جديد في مجلس الأمن ومفاوضات جديدة بين الإدارة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، وهذا غير معقول حالياً كون كل هذه الدول تتمتع بحق النقض وقدمت التزامات مالية للمحكمة. فكيف يتصور الباحث عن حل أن يتراجع مثلاً الرئيس نيكولا ساركوزي عما كرره أكثر من مرة علناً، أو في محادثاته مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك، مؤكدا أن فرنسا سددت التزاماتها المالية في اطار المحكمة وأنها عازمة على أن تتم محاكمة المتهمين. ولا يمكن لدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا التي التزمت مالياً لإنشاء هذه المحكمة أن تتراجع وتعطي ضمانات لهذا وذاك، قبل أن ينتهي التحقيق ويصدر الحكم. فوحدها جمهوريات الموز قادرة على اعطاء ضمانات غيبية قبل معرفة هوية المتهمين والعناصر المتوافرة لدى المحقق الدولي والمدعي العام. فالأنظمة التي تعرف ما تم ارتكابه بإمكانها ان تطلب ضمانات، لكن اعطاء مثل هذه الضمانات قبل انتهاء التحقيق أمر غير معقول. فكلما استقبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مسؤولاً كبيراً وتحدث معه حول الملف، فإنه يذكر باستمرار أن «المحكمة الدولية لا عودة عنها». إلى ذلك، كان من الأفضل لسورية وحلفائها ألا يعملوا على إغلاق البرلمان اللبناني منذ أكثر من سنة، لأن هذا الاغلاق منع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من إحالة قرار انشاء المحكمة على البرلمان، ما أدى به الى ان يبعث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تبعها إقرار المحكمة في مجلس الأمن ضمن إطار الفصل السابع. ولو لم يغلق البرلمان لكانت المحكمة الدولية انشئت في إطار القانون اللبناني الذي ينص على تبادل للمتهمين بين لبنان وسورية ولكان ذلك أجدى للجانب السوري. والآن، وعلى رغم التطورات والمجازر التي تقع في غزة من قبل إسرائيل، وعلى رغم الطروحات السورية لمقايضة ضغطها على «حماس» لوقف إطلاق الصواريخ على المناطق الإسرائيلية، والضغط على «حزب الله» لتسريع انتخاب رئيس للبنان، مقابل أفكار بشأن المحكمة الدولية، فإن هذا الاقتراح يمكن أن يقبل إسرائيلياً ولكنه لن يقبل دولياً. وحتى لو شاءت إسرائيل الضغط على الولايات المتحدة للقبول بالمقايضة السورية، فكيف يتراجع الأميركيون عن المحكمة؟ فالدول الصغيرة أو الكبيرة العربية التي تسعى لإيجاد حلول للوضع الكارثي في كل من لبنان وفلسطين عليها أن تبقي في خلفية تحركها غير قابلية العودة عن المحكمة الدولية، بعد أن أصبحت تحت القانون الدولي. فينبغي العمل على تحرك مختلف وإن كان بسبب التعطيل وجذور المشاكل في لبنان هي محاولة تعطيل المحكمة الدولية. |