ما يريده المسلمون في لبنان

عنوان مثير، ينتظر إجابات شافية، يتطلّع إليها إخواننا المسيحيون الذين تسيطر عليهم مجموعة من الهواجس والمخاوف

المسلمون في لبنان يريدون تحقيق هذين الهدفين من خلال واقع لبنان، وهذا يطرح أمامنا المسائل التالية:

أولاً: لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه:
هذا ما نص عليه اتفاق الطائف، وورد في الفقرة الأولى من مقدّمة الدستور، وقد جاء نتيجة إلحاح من إخواننا المسيحيين، ناتج عن هواجس سبّبتها مواقف وتصريحات البعض. إنّ المسلمين اللبنانيين كغيرهم من المواطنين، خلقوا في هذا البلد، وارتضوا قضاء حياتهم فيه، إنّه وطنهم النهائي، بأرضه وشعبه، لا وطن لهم غيره، وهم حريصون على خيره وعلى استقراره السياسي، ونموه الاقتصادي. يشاركون في الدفاع عنه، ويساهمون في بنائه وتقدّمه، وهم يعتقدون أنّ المحافظة على العيش المشترك والوحدة الوطنية والسلم الأهلي واجب شرعي، كما هو واجب وطني يسعون إليه ويحرصون عليه.
إنّ لبنان وطن نهائي لا تعني الجمود على نظامه السياسي، ولا الانعزال ضمن حدوده الحالية، فالأنظمة السياسية تتطور وتتغير حسب إرادة الشعوب، والدول تنـزع إلى الانفتاح والتواصل مع غيرها لتحقيق مصالح مشتركة كما حصل في الاتحاد الأوروبي، فكيف إذا كانت الدول المتعددة تضم شعباً واحداً كالدول العربية؟

ثانياً: مشروعية العيش المشترك:
إنّ طبيعة لبنان كبلد متنوع الطوائف تجعل العيش المشترك هو أساس الاجتماع اللبناني
.
. وعندما يعيش المسلمون مع غيرهم في نطاق مجتمع واحد فإنّهم يلتزمون بالأسس الشرعية التي أكّدها قول الله عز وجل وهي تتلخّص بأربعة قواعد:

الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه

الثانية: الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج، ولا بأيّ اعتبار آخر. الأخلاق ليست فقط أسلوب تعامل المسلم مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أو قوميّته أو دينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً.

الثالثة: العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق. من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالميزَانَ لِيَقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ). الكتاب هو مصدر العدالة. والميزان هو وسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات. والعدالة من القيم المطلقة التي يأمر بها الإسلام

الرابعة: التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. الجميع في المجتمع الواحد شركاء ومواطنون، وأيّ عمل يقوم به البعض يؤثّر على الآخرين، لذلك لا بدّ من الحوار والتعاون، لأنّ الفساد يرجع ضرره على الجميع، والإصلاح عندما يقوم يعود خيره على الجميع.

ثالثاً: المشروع السياسي للمسلمين في لبنان:
ماذا يريد المسلمون في لبنان؟
إنّ الجواب على هذا السؤال يشكّل ملامح المشروع السياسي للمسلمين في لبنان، وقبل أن أخوض فيه أحبّ أن أوضّح أنّه لا يمكن أن يكون للمسلمين في لبنان مشروع سياسي خاص بهم، لأنّ مثل هذا المشروع يكون خطوة على طريق تقسيم لبنان، أو على الأقل تحويله إلى (إتّحاد بين كانتونات طائفية)، وهو أمر لا يحتمله لبنان، ولا يرضاه أحد من اللبنانيين.

رابعاً: الحاجة إلى مشروع وطني واحد:
حين يتعايش الناس مع اختلافاتهم في وطن واحد، فلا بدّ لهم من مشروع وطني يجمعهم، ويمنع تحوّل الخلافات إلى صراع، وينظّم الحياة المشتركة بينهم، ابتداء من تحديد الدستور، إلى اختيار السلطة، إلى تشريع القوانين المختلفة.
إنّ لبنان وطن يتألّف من مجموعة من الطوائف. هذا هو واقعه، وهو ما يؤكّده دستوره. لكلّ من الطوائف مساحتها الخاصة، تمارس فيها خصوصيتها الدينية ضمن ساحة المجتمع العامة. بينما تمارس الدولة سلطتها في المساحة المشتركة التي تجمع جميع الطوائف. إنّ العلاقة بين الوطن وطوائفه يمكن أن تكون علاقة صراع، ويحصل ذلك حين تريد السلطة توسيع المساحة الوطنية المشتركة على حساب خصوصيات الطوائف، أو حين تريد الطوائف توسيع مساحتها الخاصة على حساب المساحة المشتركة. إنّ دستور لبنان منذ قيامه يحدد مساحة الطوائف الخاصة بأمور العبادة والأحوال الشخصية. وهذا يعني أن كل ساحات المجتمع الأخرى هي ساحات وطنية مشتركة. لكن الأعراف قضت بتوزيع أهم المناصب السياسية والادارية توزيعاً طائفياً، فوسّعت مساحة الطوائف خارج نطاق العبادة والأحوال الشخصية، بحيث تداخلت مع المساحة الوطنية المشتركة، بل وتغلّبت عليها. وجاء اتّفاق الطائف ليؤكّد تقاسم السلطات بين الطوائف بصورة مؤقّته، وريثما يتمّ إلغاء الطائفية السياسية.

خامساً: المشروع الوطني المرحلي الذي يريده المسلمون في لبنان:
إذاً فالمشروع السياسي للمسلمين في لبنان، هو في الحقيقة المشروع الوطني الذي يجمعهم مع إخوانهم المسيحيين في وطن واحد ودولة واحدة.
إنّ وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في اتفاق الطائف وصدّقها المجلس النيابي في 5/11/1989 كانت مدخلاً لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة توحيد المجتمع اللبناني وبناء الدولة، وقد حسمت هوية لبنان ، وأكّدت علاقاته الأخوية الطبيعية مع محيطه العربي، وموقفه من العدو الصهيوني، وحددت أنّ لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تحفظ الحريّات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة لجميع المواطنين، وتجعل الشعب مصدر السلطات، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، ودعت إلى إلغاء الطائفية السياسية وفق خطّة مرحلية.
مما لا شك فيه أنّ هذا الاتفاق لا يعبّر إلاّ عن جزء مما يتطلّع إليه كل لبناني. وأنّ هناك مطالب وأهدافاً أخرى عند كل مجموعة من اللبنانيين، لكنّنا نعتقد أنّ مصلحة جميع اللبنانيين هي في المحافظة على هذا الاتفاق، والانطلاق منه كأساس متّفق عليه، والحوار من أجل تطويره نحو الأفضل

ملخص
الكلام المنقول من الشيخ فيصل مولوي (النهار)
وانا اؤيده لبنان وطن لجميع الطوائف
لبنان بلد التنوع الطائفي والمشاركة