لمصلحة مَن تهجير السفارات او اقفالها؟

نزار عبد القادر (الديار)

هل نحن امام محاولة جديدة لترحيل اكبر عدد من البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان على ‏غرار ما حدث في الثمانينات حيث انسحبت سفارات عديدة من لبنان، او انها هجرت قسراً الى ‏مناطق اكثر امنا داخل الاراضي اللبنانية؟ ولمصلحة مَن يجري العمل لتهجير السفارات او ‏اقفالها؟ نطرح هذا السؤال في ظل المعلومات المتوافرة التي تتحدث عن تلقي عدد من الدول المهمة ‏بالنسبة للبنان لتهديدات متكررة بامكانية تعرض السفارة او المواطنين او الديبلوماسيين ‏لاعتداءات من قبل جماعات مجهولة الهوية.‏ سبق ان تلقت السفارة الكويتية في لبنان تهديدا بواسطة اتصال هاتفي بتعرض السفارة لهجوم ‏صاروخي، واستدعت تدابير الحيطة اخلاء السفارة منعا لتعرض الديبلوماسيين والموظفين للاذى في ‏حال صدق التهديد وتعرضت السفارة للقصف. وهو تدبير عاقل لمواجهة مثل هذا الاحتمال.‏ وتتوافر معلومات متكررة عن توجيه تهديدات من هذا النوع للسفارة السعودية، وللاشخاص ‏العاملين فيها، حتى بلغ الامر توجيه تهديدات مباشرة للسفير السعودي، وقد تأكدت هذه ‏المعلومات من خلال مصادر ديبلوماسية وأمنية، كما ظهرت بعض التقارير الاعلامية حول ‏الموضوع، والتي بلغت حد ربط سفر السفير السعودي الى الرياض في السابق بهذه التهديدات، ‏وذلك انطلاقاً من معلومات محققة حول قيام بعض الجماعات برصد مداخل السفارة وتحركات ‏السفير.‏ في ظل هذه المعلومات الموثوق بها حول جدية التهديدات كان لا بدّ من ان تصدر الدولتان ‏تحذيراً لمواطنيها المقيمين في لبنان لتوخي الحذر، والى اجلاء عائلاتهم، وعدم السفر الى لبنان ‏الا في حال الضرورة.‏ ودعت السفارة الاميركية في بيروت، اول من امس، رعاياها الموجودين في لبنان الى توخي الحذر في ‏تنقلاتهم، وتجنب «التحركات المتوقعة او العلنية» خوفا من التربص والايقاع بهم اثناء ‏انتقالهم. وبررت السفارة الاميركية هذه التدابير بالوضع السياسي المتأزم وبوجود «جماعات ‏متطرفة» قد تعمل للاعتداء على مواطنين اميركيين او على مصالح اميركية.‏ لا يأتي التحذير الذي اصدرته السفارة الاميركية لرعاياها في لبنان من فراغ، فقد تعرضت ‏سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة لكمين بواسطة سيارة ملغومة قبل اسابيع.‏ تشكل التعقيدات السياسية للأزمة المتمادية في لبنان، والمواقف التي تعلنها الادارة ‏الاميركية لدعم حكومة فؤاد السنيورة والاكثرية النيابية مادة جذابة لقوى المعارضة ‏ولوسائل اعلامها، حيث تتهم الولايات المتحدة بالعمل للهيمنة على لبنان خدمة لمخططاتها في ‏قيام شرق اوسط جديد، وللتحضير لعدوان على لبنان يستهدف المقاومة، بصورة مباشرة او من ‏خلال عدوان اسرائيلي جديد. تكررت اتهامات المعارضة ووسائل اعلامها للولايات المتحدة حول ‏تخريب كل صيغ الحلول التي طرحت من اجل حل الازمة الراهنة، كما اتهمت السفارة الاميركية ‏بشخص سفيرها السابق فيلتمان بالعمل على زرع روح الشقاق والانقسام بين اللبنانيين، كما ‏اتهم مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط في اكثرمن مناسبة بالحضور الى بيروت، او عقد ‏اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين في بعض العواصم الاقليمية من اجل تخريب اي صيغة توافقية ‏للخروج من المأزق الحالي.‏ وكان آخر الغيث موجة الغضب التي انصبت على الولايات المتحدة، والتي ترافقت مع خبر ابحار ‏بعض السفن الاميركية ومنها المدمرة: «كول» في المياه الدولية لشرقي المتوسط، وعلى مسافة ‏ستين كيلومتراً من الشاطئ اللبناني.‏ يبدو بوضوح ان موجة العداء للولايات المتحدة في لبنان لن تتوقف عند حدودها الراهنة، بل ‏من المتوقع ان تتصاعد، وذلك لجملة اسباب يتعلق بعضها بنهج السياسة الاميركية تجاه الوضع ‏الداخلي، وبعضها الاخر بالمواقف الاميركية تجاه كل من ايران وسوريا، وايضا بالتطورات التي ‏يشهدها العراق وغزة، ومن ابرز هذه الاسباب:‏ ‏- اولاً: تجد المعارضة اللبنانية، وبمختلف فصائلها ووسائل اعلامها انها في حالة تناقض كلي ‏مع السياسة الاميركية تجاه لبنان، وخصوصا لجهة الدعم المتواصل الذي تقدمه ادارة بوش ‏لحكومة فؤاد السنيورة، والذي شكّل الذخيرة الاساسية لصمود الحكومة ولتمسك الاكثرية ‏النيابية في رفضها لكل اشكال التسويات التي طرحت من اجل اجراء الانتخابات الرئاسية ‏وتشكيل حكومة وحدة وطنية.‏ يضاف الى هذا التناقض والتعارض الكبيرين بين الخيارات السياسية بين واشنطن وقوى المعارضة، ‏ذلك الارث الكبير من مشاعر العداء بين حزب الله والولايات المتحدة انطلاقا من اتهام هذه ‏الاخيرة لحزب الله بتفجير السفارة الاميركية ومقر المارينز قرب مطار بيروت في عام 1983، وخطف ‏طائرة (تي. دبليو. ايه) الى مطار بيروت عام 1985، وعمليات خطف وتفجيرات أخرى خارج ‏لبنان.‏ ولا يمكن اغفال الموقف الاميركي الداعم لحرب اسرائيل على لبنان عام 2006، والذي أطال فترة ‏الحرب لعدة اسابيع بهدف تدمير البنى العسكري لحزب الله وافساحا في المجال لتحقيق مكاسب ‏اسرائيلية على ارض الجنوب لتغيير المعادلة لصالح اسرائيل.‏ ‏- ثانيا: يؤدي العامل الاقليمي دوراً مؤثراً في طبيعة العلاقات القائمة بين الوجود الاميركي ‏في لبنان وقوى المعارضة، حيث تربط هذه الاخيرة بين مواقفها (العدائية) من المسؤولين ‏الاميركيين العاملين في لبنان او الزائرين له بمهمات تتعلق بالوضع السياسي الداخلي او ‏الاقليمي، وذلك انطلاقاً من نظرة استراتيجية تربط بين ما يدور في لبنان وكل من غزة ‏والعراق. ويتبلور مثل هذا الترابط الاستراتيجي بين المسارح الثلاثة في اعلام حزب الله، وايضا ‏في الخطب التي يلقيها السيد حسن نصرالله، والتي تشدد جميعها على شمولية المعركة مع كل من ‏الولايات المتحدة واسرائيل.‏ ‏- ثالثا: يؤجج اجواء العداء هذه الحملة الاميركية المستمرة ضد السياسات التي ينتهجها ‏المحور الايراني - السوري والتي شهدت تصعيداً كبيراً في الآونة الاخيرة.‏ استعملت الولايات المتحدة كامل ثقلها في السياسة الدولية من اجل استصدار قرار جديد في ‏مجلس الامن يشدد العقوبات المفروضة على ايران بسبب استمرارها في برنامج تخصيب ‏اليورانيوم. ويبدو ان سياسة التصعيد ضد ايران مستمرة داخل العراق، وهذا ما انعكس ‏على فشل عقد الاجتماع الذي كان مقررا بين مسؤولين اميركيين وايرانيين في بغداد للتباحث حول ‏العراق.‏ اما العلاقات الاميركية - السورية فهي في ادنى مستوى لها، وقد بلغت بعد القرار الاميركي ‏بتفتيش السفن السورية المحطة الاخيرة التي تسبق حالة الحرب، وهي تذكر بالسياسات التي ‏اعتمدتها اميركا ابّان ازمة الصواريخ الكوبية او تجاه كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية ‏اثناء الحرب.‏ هناك اجواء معادية للسياسة الاميركية تجاه لبنان وتجاه المنطقة، وقد تستغل هذه الاجواء ‏جماعات ارهابية لا علاقة لها بالمعارضة من اجل الاعتداء على مواطنين اميركيين او مصالح اميركية ‏بقصد زيادة تعقيد الاوضاع السياسية والأمنية في لبنان، وشل كل المصالح المشتركة بين الولايات ‏المتحدة ولبنان.‏ من المستبعد جداً ان تكون هناك محاولات او نيات لدى اي طرف معارض للاضرار بأشخاص سعوديين ‏او كويتيين او اميركيين على الارض اللبنانية، حيث يدرك الجميع مدى الاضرار الذي يمكن ان ‏يحدثه ذلك على مصالح لبنان العليا، ومكانته الدولية. لكن الاستمرار في شحن الاجواء على ‏المستويين السياسي والاعلامي سيفتح فجوة بين هذه السفارات وقوى المعارضة، والتي يمكن ان ‏يستغلها طرف ثالث للاضرار بسمعة المعارضة وبالمجتمع اللبناني الذي يرتبط بمصالح حيوية مع ‏الدول الثلاث، خصوصا انها جميعها تقدم مساعدات سخيّة وقيّمة الى لبنان، بالاضافة الى وجود ‏علاقات اخوية وتاريخية واقتصادية تربط ما بينها وبين لبنان.‏ تدعو الحكمة ان تعمل الدولة والمعارضة على توجيه التطمينات اللازمة الى هذه السفارات ‏لوقف تداعيات موجة الحذر واضرارها المتفاقمة على لبنان واللبنانيين