راسم عبيدات
....يبدو أن العملية النوعية التي نفذها الشاب علاء أبو دهيم من جبل المكبر/ القدس، سيكون لها الكثير من التداعيات،في إطار وسياق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المتواصل، فالعملية وإن أدانتها السلطة الفلسطينية،إلا أنها أتت لتثلج وتريح صدر الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، والتي لم يرى فيها أنها جاءت فقط رداً على المجازر والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، بل ورداً على الصمت العربي والإسلامي والدولي على تلك الجرائم، وجاءت أيضاً لتقول للإسرائيليين والأمريكان، انه مهما صعدتم وشددتم من إجراءتكم القمعية والاذلالية بحق شعبنا الفلسطيني، فإنه لن يخضع ولن يسلم ولن يرفع الراية البيضاء، وجذوة النضال ستبقى قائمة ومستمرة، ما لم تكون هناك مفاوضات جدية وحقيقية تفضي لزوال وإنهاء الاحتلال
وإسرائيل التي بدت مصدومة من تلك العملية والتي جاءت في قلب مدينة القدس، ومن أحد المقدسيين،هؤلاء المقدسيين الذين تحاول إسرائيل بكل الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة تهويدهم وأسرلتهم، لتكتشف أنهم فلسطينيين وعروبيين أقحاح،وبالتالي لا بد من إيجاد وسائل واليات جديدة في إطار التعامل معهم، حيث أن الدعوات التي خرجت من عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية والمطالبة بطرد وترحيل أهل وعائلة الشهيد إلى غزة ، أو ترحيل سكان القدس الذين يقاومون ويقارعون الاحتلال إلى رام الله، هي بوادر وبداية نهج جديد للتعامل مع أهل القدس،والتداعيات الجوهرية للعملية هي تتلخص وتتكثف في، هل ستواصل إسرائيل وتصعد من عدوانها على الشعب الفلسطيني،بدعم وغطاء من الولايات المتحدة ،أم ستقبل بهدنة غير مباشرة مع قوى المقاومة الفلسطينية؟
وبالنظر المعمق والفاحص لهذه الخيارات نجد أن خيار استمرار العدوان وتصعيده وتوسيعه ، له من الحظوظ أكثر بكثير من خيار القبول بالتهدئة، فإسرائيل ترى في التهدئة أولاً والقبول بها ، هو مفاوضة لحماس دون التزامها وقبولها بالاتفاقيات السابقة، وما يعنيه ذلك من انتصار لنهج وخيار المقاومة،والذي تريد إسرائيل لجمه ومحاصرته وليس تعزيزه وتطويره، وهذا يعني أيضاً نهاية وانهيار معسكر الاعتدال الفلسطيني، الذي تراهن عليه إسرائيل،لاستمرارها في مفاوضاتها المارثونية والعبثية معه
والأهم والأخطر من ذلك أن قبولها بالتهدئة مع حماس تحديداً،يعني إن حماس وقوى المقاومة ستستغل وتستخدم هذه التهدئة، من أجل إعادة بناء بناها التحتية، وتطوير وتعزيز قدراتها التنظيمية والعسكرية، وهذا معناه أنها في المواجهة القادمة مع إسرائيل، ستكون أكثر قوة وصلابة، وربما صواريخها التي أصبحت على مشارف أسدود، ستصبح على مشارف قلب تل أبيب وغيرها من المدن الإسرائيلية، ومن هنا فإنه لا خيار أمام إسرائيل والتي تستغل المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ، أسوء استغلال من أجل تكريس الاحتلال وشرعنته، سوى أن تستمر في خيار العدوان والحسم العسكري، وهذا الخيار المشار إليه، تريد إسرائيل أن توسعه،لكي يشمل الجبهة اللبنانية والسورية، وخصوصاً أن حزب الله بات يشكل مخاطر جديه على أمنها في الحدود الشمالية، فحزب الله والذي تتخوف إسرائيل من رده على مقتل أحد أبرز قادته العسكريين عماد مغنيه
هو قوة أساسية في الساحة اللبنانية، ويشكل عائق رئيسي أمام قدرة أمريكيا وإسرائيل على تطبيق سياساتها في لبنان،وإخراجه من ساحة المقاومة، ومن هنا نرى أن الحسم بالقطاعي والمفرق، لم يعد خياراً أمريكيا إسرائيليا،بل أن خيار الحسم بالجملة هو المطروح، وهذا الخيار تدلل عليه العديد من الشواهد، ولعل الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة على الساحة اللبنانية، من اختراق الطائرات الإسرائيلية للأجواء والعاصمة اللبنانية، وحشد أكثر من ثمانية فرق عسكرية على الجبهتين اللبنانية والسورية،وأيضاً الحشود البحرية الأمريكية قبالة الشواطئ اللبنانية وتفتيش السفن المتجهة لسوريا، وحصار لبنان بحرياً من أجل منع وصول شحنات أسلحة لحزب الله ينذر بأن نذر المواجهة العسكرية باتت قريبة من أي وقت مضى، مواجهة يراد منها حسم مستقبل المنطقة بكاملها لسنوات طويلة، وبحيث يعاد رسم خارطة المنطقة على نحو أسوء من سايكس بيكو ، أي تجزئة المجزء وإقامة كيانات اجتماعية هشة ومرتبطة بتحالفات عسكرية وأمنية واقتصادية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية،ويكون على رأس هذه الكيانات حكام لا يتمتعون بسلطات فعلية على ثروات واقتصاد بلادهم، أي تحويل المنطقة العربية والإسلامية إلى مزرعة أمريكية تدار أمريكياً بإشراف إسرائيلي مباشر ووكلاء من الدرجة الثالثة والرابعة من المشايخ والزعماء العرب، وبما يلغي ويمسح من الذاكرة العربية والوجدان الشعبي البعد القومي في الصراع، وبما يعيد صياغة التعليم والمناهج العربية على أساس قطري، ووفق الرؤية والتصورات الأمريكية، أما إذا ما نجحت قوى المقاومة والممانعة والمعارضة العربية، من فلسطين وحتى العراق في الصمود والثبات أمام هذه المخططات، فإن هذا يعني بداية اندحار المشروع ألأمريكيي، وربما كما قال سماحة الشيخ حسن نصر الله، تكون بداية النهاية للدولة العبرية، والتي قامت بتاريخ القوة وليس بقوة التاريخ، وهذا قد يكون رافعة للعمل الوطني والقومي والجهادي على المستوى العربي- الإسلامي، وبما يعمق من أزمة ما يسمى بدول الاعتدال(الاعتلال) العربي، ويطيح بالكثير من عروشها، والتي لا تربطها أية صلة بالشارع والوجدان العربي، وبمغادرتها لن تتأسف وتترحم عليها الجماهير العربية.
أن مرحلة ما بعد عملية القدس، التي نفذها الشهيد علاء أبو دهيم ،سيكون لها الكثير من النتائج والتداعيات، تداعيات تثبت أن المقاومة الفلسطينية رغم شدة القمع والبطش الإسرائيلي قادرة على الصمود والتصدي والتأسيس لنهج وخيار المقاومة، وإذا ما صحت المعلومات الواردة بأن إحدى ثمرات عملية القدس،أنها ولدت قناعات لدى الإدارة الأمريكية،بضرورة عقد هدنة مع حماس وحركة المقاومة،إلا أن هذا الاستنتاج قد يكون متسرعاً،حيث أن اليمين المتشدد في كلا البلدين (إسرائيل وأمريكيا) يدفع تجاه حسم الأمور عسكرياً ،فإسرائيل على المستوى المجتمعي وحتى الحكومي غير ناضجة أو راغبة في سلام حقيقي مع الفلسطينيين، فهي تريد كل شيء ،الأرض والأمن والتطبيع والسلام، ولا تريد أن تمنح الفلسطينيين أي شيء،فهل من يصرحون ويعلنون ويهددون شعبنا بالمحرقة والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والحرق من الجو حقاً يريدون السلام؟، وطبعاً الجواب لا قاطعة، والأشهر القليلة القادمة ستجيب على ذلك بالملموس، وربما عملية القدس ستؤرخ لبداية مرحلة جديدة على الصعيد الإقليمي وليس المحلي فقط.