صالح حديفة
تتراكم المواضيع التي يختلف حولها اللبنانيون يوما بعد يوم، من دون ان يظهر أيُّ إطار يسهل النقاش حول هذه القضايا لحلها او لتذليل العقبات التي تعرقل الانفراج في الأزمة المستعصية في البلد. فمن الفراغ الرئاسي المستفحل منذ قرابة اربعة أشهر و"الحبل على الجرار"، إلى المجلس النيابي الموصدة ابوابه امام الجلسات العامة منذ اكثر من سنة وما زال، إلى الخلاف حول الحكومة وقضية استقالة الوزراء واستمرارهم في عملهم في الوقت نفسه، إلى قرار الحرب والسلم، إلى سلاح "حزب الله"، والوجود الفلسطيني وسلاحه في المخيمات وخارجها، إلى العلاقات اللبنانية السورية وغيرها ومن المشاكل التي يخيل إلى اللبناني انها لا تنتهي، لا بل إنها فعلا لا تنتهي.
وما كان ينقص كل هذا الازدحام وتراكم المشاكل، هو قانون الانتخاب الذي لم يكن محل إجماع لبناني منذ عقود. فعاد الجدل حول القانون وتقسيماته وتوزيعه، وشرع الجميع في تبادل الاتهامات حوله، كما هي عادتهم في كل موضوع يختلفون عليه، وبين محبذ لدائرة صغرى وآخر يرى خلاص الوطن في دائرة كبرى ـ بل لنقل يرى خلاصه هو ـ وبين من يعتبر النسبية افضل اساليب الانتخاب وذلك الذي لا يريده إلا عدديا وفق مقياس اكثرية الاصوات، ضاع اللبنانيون مجددا. والمشكلة الحقيقية تكمن في ان اللبنانيين انفسهم فقدوا القدرة على معرفة ما يصب في مصلحة وطنهم الصرف.
ثم وفي خضم هذه التراشقات، بدأ تراشق آخر على جبهة المشاركة في القمة العربية في دمشق أواخر آذار الجاري، وانقسم الفرقاء في تشكيل جديد، فبعض من الموالين وافقه قسم من المعارضين، يرفض المشاركة في القمة رغم الفرق في تعليل الرفض، والقسم الآخر من الموالين والمعارضين مع المشاركة ولأسباب مختلفة ايضا. وبين المشاركة وعدمها ضاع اللبنانيون مرة أخرى.
وبما ان الضياع في الخيارات هو سيد الموقف، قررت قوى الرابع عشر من آذار العودة إلى من اعتبرتهم "رأيها العام" لبلورة وثيقة سياسية تهدف من خلالها إلى تصويب وجهتها السياسية والاجتماعية بعد هذا المخاض العسير الذي مرت به قوى الرابع عشر من آذار منذ "ربيع 2005" في البريستول وحتى "ربيع 2008" في البيال. لكن قوى الثامن من آذار بالمرصاد لهذا النوع من التحركات، فاعلن الرئيس عمر كرامي ان قوى المعارضة بدأت حركة تنسيقية ستكشف عنها في الأيام المقبلة، ومن لقاء عين التينة في العام 2005 قد يبصر النور لقاء آخر لـ8 آذار خصوصا اننا في الشهر نفسه. ومن جديد ضاع اللبنانيون ايضا.
إنها مرحلة الضياع بامتياز، ضياع داخلي وإقليمي ودولي، ضياع على كافة المستويات. إنها "موضة الضياع" فهل نضيع فيها ايضا؟