كيف يواجه حزب الله تحديات ما بعد اغتيال عماد مغنية ؟

كيف يواجه "حزب الله" تحديات ما بعد اغتيال عماد مغنية ؟

ابرهيم بيرم (النهار)

لم يكن غريبا ان يرتفع منسوب القلق عند الجنوبيين في المدة الاخيرة الى درجة ذهابهم في شكل جماعي غير مسبوق الى مراكز الحصول على جوازات السفر، او الى البحث عن اماكن سكن احتياطية خارج حدود الجنوب كله، فمبعث التوتر العالي الوتيرة مبني على حدس ووقائع ميدانية في آن واحد. الحدس يرتبط بمقولة أن "حزب الله"، الذي تلقى ضربة كبرى باستهداف أحد أكثر عقوله الامنية والعسكرية شهرة ورمزية، عماد مغنية، لم يعتد في مسيرته الجهادية السكوت طويلا عن أي ضربة عسكرية اسرائيلية توجه اليه لأن لمثل هذا السلوك حسابات عسكرية دقيقة يدرك كنهها طرفا النزاع قبل سواهما. أما الوقائع فشهدها الجنوبي بأم عينه وهو يرى كيف صارت منطقة شمال الليطاني تشهد تحركات مكشوفة لمقاومي "حزب الله" تنطوي على أبعاد ومعطيات.

بالطبع ثمة سياق آخر في الجنوب عنوانه مرحلة ما بعد اغتيال مغنية، فقبل هذا "الحدث الكبير" كان ثمة سياق مفهوم ومتوقع لمسايرة الاوضاع في الجنوب واستطرادا كانت ثمة قواعد لعبة معينة بالنسبة الى "حزب الله" وتقوم على اعتقاد فحواه ان الضربة التي تلقتها اسرائيل في حرب تموز وتساقط كثير من حساباتها العسكرية يفرضان عليها ارجاء البحث في أي رد عاجل تستعيد عبره قدرتها الردعية التي اهتزت ولا ريب.
وعليه تعامل الحزب مع الوضع الناشئ في الجنوب بعد حرب تموز، بما فيه وجود القوة الدولية ووحدات من الجيش، على أساس ان ثمة وقتا لاستيعاب تدريجي للمعطيات الميدانية الجديدة.

وفي وقت لاحق، استطاع الحزب ان يبني اعتقادا داخليا فحواه أنه تمكن بفعل عوامل عدة من السيطرة على "المسرح" الجنوبي، بمعنى آخر صار الحزب يقيم على قراءة جوهرها ان أرض هذا المسرح صارت رخوة والمعادلة التي ظن بعضهم انها ترسخت بعد حرب تموز وما تلاها قد طاولها الاهتزاز. فعلى سبيل المثال أتى حين من الدهر وصارت القوة الدولية في حاجة الى حماية ضمنية وغير مرئية من الحزب وجمهوره، خصوصا بعد تعرضها لأكثر من حادث أمني. كما أتى حين آخر ارتجت فيه مرارا معادلة الشريط الحدودي الهادئ وغير القابل لأي ارتجاج وذلك بفعل اطلاق صواريخ ملتبسة المصدر في اتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الجيش اللبناني الذي دخل المنطقة بأعداد تجاوزت العشرة آلاف عنصر اضطر الى ان يسحب اكثر من نصفها لاحقا الى الداخل اللبناني الذي انشطر فجأة في شكل عمودي ووقع في هوة أزمة لا قرار لها استعصت على الحلول.

دوافع الاطمئنان

وفي موازاة هذا الواقع الميداني المستجد عاش "حزب الله" على اطمئنان ضمني متأت من الوقائع الآتية:
1 – ان مسرح المواجهة واللعبة بينه وبين الاسرائيلي محصور و"تحت سيطرته" ولا يتعدى الجنوب، وان أرض هذا المسرح بالنسبة اليه صارت رخوة.
2 – ان الوقت معه لمصلحة اعادة تذخير نفسه ومضاعفة ترسانته الصاروخية بعد تراجع تدريجي لكل ما أفرزته حرب تموز من تطورات.
3 – والأهم ان الحزب عاش على اعتقاد تعزز بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على الحرب الاسرائيلية عليه فحواه ان اسرائيل صارت في واقع العاجز عن المس "بمنظومة الوعي" عنده، وبمعنى آخر ربما تعززت درجة الثقة بالنفس لدى الحزب وتجذرت الى حدود الاعتقاد بأن يد اسرائيل باتت أقصر من أن تلحق به أذى كبيرا، أو ان عقلها بات أعجز من التفكير بالتجرؤ على مثل هذا الفعل في هذه المرحلة تحديدا.
وعليه، كان الحزب أكثر اطمئنانا الى "ستاتيكو" جديد، قدّر أنه صنعه بنفسه ووفق شروطه الى حد بعيد وكيّف نفسه معه عندما أتته ضربة اغتيال مغنية من حيث لا يحتسب، فشعر في لحظة بأن اسرائيل وضعته أمام قواعد لعبة جديدة، واستتباعا فرضت عليه التعامل معها بطريقة مختلفة.

محاولة استدراج اسرائيلية

ولا تخفي جهات في الحزب انها شعرت بأن اسرائيل أرادت استدراجه الى ثلاثة أمور في وقت واحد. الاول الى مسرح أوسع مدى من المسرح الجنوبي الذي يدرك تفاصيله ويتقن اللعب فيه الى درجة الاحتراف، والثاني الى رد فعل عاطفي عاجل يفقد فيه اتزانه وحكمته، والثالث الى "اشتباك أمني مفتوح، ستترتب عليه الكثير من التطورات غير المحسوبة النتائج.
وهكذا اضطر الحزب الى ان يخرج تحت تأثير هذه الضربة الموجعة لبعض الوقت من "اتزان" خطابه، لكنه تدارك الامر بعد وقت قصير بعدما شعر الجميع أنه قادر على "الجهل فوق جهل الجاهلين"، وانه قادر على قلب كل المعادلات.
كذلك اضطر الحزب الى ان يسلك في الميدان الجنوبي مسلكا غير مألوف ولا علاقة له بجوهر استراتيجيته المعهودة في الجنوب إن بتظهير سلاحه رمزيا وعرض عضلاته العسكرية على نحو أقعد القوة الدولية الراصدة للتطور الجديد وجعلها تغض الطرف وتتصرف على أساس ان شيئا لم يكن، وإن برفع درجة جهوزية ذراعه العسكرية المقاتلة التي ازدادت عديدا، كما صار معلوما، بعد حرب تموز، انفاذا لقرار معروف قوامه توسيع القوة المقاتلة بعدما كان الاعتماد على قوة محترفة ضئيلة العدد.
وعليه، وخلال وقت قصير، ظهر الحزب رمزيا أمام الاسرائيليين على مقربة من مواقعهم المتقدمة، وعلى طول الحدود، في جهر يستبطن ارسال رسالة الى الجميع ولا سيما الى الاسرائيليين انفسهم جوهرها اننا صرنا على أتم الجهوز للمواجهة "فحذار ان تجربونا".
بالطبع يدرك من له صلة بعقلية "حزب الله" المقاومة ان "الحركة المكشوفة التي قام بها في المسرح الجنوبي كانت في اعماقها ردا وقائيا أكثر مما هي استعداد لتحريك المسرح الجنوبي، ونقله من واقع "الدفاع" الى واقع الهجوم على أساس ان ساعة الحرب آتية لا ريب فيها، وفي مدى زمني محسوب ومقدّر.

احتمالات الرد على اغتيال مغنية

ولكن هذا الامر على بداهته لا يعني اطلاقا ان "حزب الله" يمكن ان يسكت عن الضربة التي تلقاها باغتيال مغنية. لذا يذهب من هم في مناخ عقلية الحزب العسكرية في اعتقادهم الى ثلاثة احتمالات للرد:
1 – افهام من يعنيه الامر أن مسرح الجنوب عاد الى قبضة الحزب، وأن كل العوائق التي وضعت للحؤول دون ذلك تداعت تدريجا، وهو أمر أنجز وإن كان كلف الحزب رعب قاعدته وجمهوره واستغلال خصومه الداخليين لهذا الامر.
2 – الذهاب الى عمليات رد وثأر ذات طابع تراكمي وذات بعد مشفّر يصعب معه توجيه أصابع الاتهام الى الحزب مباشرة وإن كانت تظهر فيها بصماته وأسلوبه بوضوح.
وعليه ثمة من الاسرائيليين وسواهم من لا يزال يبحث جديا عن خيوط العلاقة بين الحزب وعملية المدرسة التلمودية في القدس المحتلة. ولكن المتصلين بالحزب يتبدى لهم ان الحزب "يستخف" بكل من يبني حساباته على أساس ان الحزب طوى صفحة الحساب مع الاسرائيليين من خلال العملية في القدس.
3 – رد كبير بحجم درجة الألم التي شعر بها الحزب لحظة تلقيه نبأ اغتيال مغنية، وهو رد غير مربوط بسياق زمني محدد او بمسرح مكاني معين. وثمة في مناخ الحزب من لا يستبعد ان يكون الفلسطيني شريكا في عميلة الرد، وأن يكون ميدان المواجهة المفتوح هو فلسطين المحتلة، "لأنه كما انتقى الاسرائيلي ميدان اختبار خارج المألوف ليجرب الحزب او يبعث اليه برسائل، فمن حق الآخرين ان ينتقوا المكان والزمان المناسبين للرد".
وفي كل الاحوال يتصرف الحزب في الجنوب وسواه على أساس القاعدة الماثلة في ذهنه وهي أن اسرائيل لم تصل بعد الى مرحلة القدرة على شن حرب او مواجهة تضمن فيها كل أوراق تحقيق "نصر" سريع ومحقق.
ولكن على بلاغة هذه القاعدة يعد الحزب العدة دوما على أساس الجهوزية لمواجهة كل الاحتمالات، بما فيها ان الحرب الاقليمية واقعة غداً.
ومهما يكن من أمر، فالحزب في مناخ ان ثمة مرحلة مواجهة انصرمت مع اغتيال مغنية، وأن صفحة جديدة في سفر المواجهة انفتحت على مصراعيها