14 آذار تنتقل من المراوحة إلى المبادرة

رسمت وثيقة 14 آذار التي أبصرت النور عصر أمس في مجمع "بيال" في بيروت خارطة طريق فعلية للمرحلة المقبلة واضحة المعالم وسهلة العناوين، وجاءت الشعارات التي تضمنتها الورقة صادقة وشفافة بعيدة من لغة التحدي ومشاعر الاستفزاز، ويبقى على الفريق الآخر أن يقرأها بشكل سليم ونية صافية وأن يبادر الى تلقف مبادرة الأكثرية وأن يخطو الى منتصف الطريق لملاقاة شريكه في الوطن الذي ناداه بالأمس طالباً منه طي صفحة الماضي ولا سيما أحداث الحرب الأهلية، ودعت الى ارساء الوحدة الوطنية وتجاوز الصراعات الطائفية وبناء دولة مدنية عادلة من دون تمييز بين مواطن وآخر. ومن المتوقع أن تحمل الساعات المقبلة أجوبة عدة من المعارضة على وثيقة "ربيع 2008"، ولعلّ أبرزها ما سيعلنه المفاوض بإسمها العماد ميشال عون من قصر المؤترات في الضبية اليوم لمناسبة ذكرى 14 آذار التي يعتبرها "الجنرال " حقاً حصرياً له لا يقبل أن يشاركه فيه الآخرون مهما كانت مناسبتهم عظيمة وجليلة. ورجحت مصادر مقربة من رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" ان لا يتجاوب عون مع طروحات الوثيقية "الربيعية" التي يرى انها هضمت الكثير من حقوق المعارضة وسيكون له انتقادات لاذعة وردود مفصلة على بنود وثيقة "14 آذار".
والصرخة المدوية التي أطلقتها قوى "14 آذار" أمس في الداخل تردد صداها بقوة في الخارج وتحديداً في السنغال، حيث تناغم بيان مؤتمر القمة الإسلامية الختامي مع موقف الأكثرية، إذ أعرب عن دعمه للمبادرة العربية للحل في لبنان ودعا الى انتخاب رئيس جديد "في الموعد المقرر" والاسراع في قيام المحكمة الدولية لمحاكمة المسؤولين عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وألقى الرئيس السنيورة كلمة لبنان أمام القمة شدد فيها على "الخروج من الأزمة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية فوراً بحيث يمهد ذلك الطريق إلى استعادة دور المؤسسات الدستورية المعطلة وتأليف حكومة وحدة وطنية بحسب المعايير والأعراف الدستورية، وإلى إعادة التأكيد على دور الدولة لتصبح صاحبة السلطة الوحيدة على الأراضي اللبنانية، فلا يعود لبنان ساحةً للتقاتل لحساب الآخرين".
الى ذلك سيكون لبنان في صلب جدول الأعمال الذي يحمله نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني خلال جولته التي تبدأ غدا الأحد في المنطقة وتشمل السعودية ومصر وسلطنة عمان وإسرائيل وتركيا. كما أن زيارة موفد الامين العام للأمم المتحدة الخاص بتطبيق القرار 1559 تيري رود لارسن الى باريس أمس تحمل الأهداف نفسها، وهذا كله يعني أن الملف اللبناني قد ينتقل في أيّ لحظة في حال فشل المبادرة العربية الى أروقة مجلس الأمن الدولي حيث بدأ البعض يلمح الى امكان أن يفرض الأخير من خلال قرار جديد صادر عنه رزمة عقوبات على دمشق "بسبب تدخلها الفاضح في الشؤون اللبنانية الداخلية ومنعها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية".
هذا وواصلت الإدارة الأميركية حملتها العنيفة على سوريا لليوم الثاني على التوالي، إذ تساءل كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ومنسق شؤون العراق في الوزارة ديفيد ساترفيلد كيف يمكن أن تكون القمة العربية ناجحة في دمشق في وقت تعرقل فيه سوريا انتخاب رئيس للبنان. وجدّد المسؤول الأميركي دعوة سوريا إلى "السماح بإجراء انتخابات حرة لرئيس للبنان بما يعكس ارادة الشعب اللبناني والغالبية المنتخبة ديموقراطياً، ووقف تدفق العناصر الإرهابية عبر أراضيها إلى العراق لتهديد أمن واستقرار هذا البلد، والعمل في سبيل توفير الاستقرار والسلام والتطور في المنطقة.