قانون إنتاج 128 حزباً نيابياً


في زمن الردّة عن الوطنية، والتي بالغت الطبقة السياسية اللبنانية -إلى درجة الغلو- في المجاهرة والمفاجرة والمفاخرة بها، محتكرة لنفسها الثواب ومانعة عنها العقاب، فإن مَكمن الداء هو في قانون الانتخاب، في جميع أشكاله السابقة، الذي كيفما تمخض أنجب الطبقة السياسية نفسها، والذي فرض على قسم كبير من الشعب اللبناني التوجه إلى صناديق الاقتراع أفراداً وجماعات بطريقة آلية (لا وصف يليق بها)، حيث أظهر أحد استطلاعات الرأي -الذي أجرته شركة "ستاتيستكس ليبانون" ونشر في 09/01/2008- أن أكثر من 40% من المقترعين، في كافة المناطق، لم يكونوا يعرفون لمن يقترعون، وهذه النتيجة بحد ذاتها كارثة...!، إذ لم يحدث في تاريخ لبنان أن تمكن الشعب من محاسبة نائب انتخبه كُرمى لعيون هذا الزعيم أو لأقدام ذاك من الزعماء. إن ما نعيشه اليوم من مشاكل "إنقسامية" وأزمات على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما هي إلا نتائج لامتحانات "التبعية للخارج" التي غالباً ما نجح فيها فرقاء الطبقة السياسية، فضلاً عن أنها في الأساس هي تداعيات "تفاقمية" لـ"عناد تراكمي"، يتمثل في المحاولات "الفاشلة"، المتتالية والمستمرة حتى يومنا هذا، لإجبار لبنان على أن يكون "وطن" الرسالة والتعايش بين الثقافات والحضارات وأن يتحول أبناء طوائفه إلى مواطنين، في ظل غياب ثقافة "المواطنية" المفترض أن تنصهر فيها ثقافات الطوائف كأساس "متين" لوطن "بالمعنى الحقيقي للكلمة"، والذي لم يجد حتى الآن أي من مقوماته المدفونة تحت أطماع كبرى طوائفه ومن يُمثلون، ليس في حكم لبنان فقط، بل في ربطه بخارج كل منهم، ولو بالقوة أو بالصمود أو حتى "بالتوافق" وها نحن اليوم نعيش الحالات الثلاث. من هذا المنطلق فإن الدواء يكمن في صيغة القانون الانتخابي الذي يؤمن التمثيل العادل لمختلف فئات الشعب ويُعيد إنتاج أو -على الأقل- تطعيم الطبقة السياسية تدريجياً، حتى داخل الطائفة الواحدة، وكذلك المحاسبة المباشرة من الناخب للنائب، من خلال ضمان حرية "اللبناني" في الاقتراع المباشر لمن يرغب في أن يمثله في المجلس النيابي، وضمان حقه في محاسبته لاحقاً. والأهم هو احترام المرشح النيابي لنفسه والاقتناع بأنه يجب أن يكون نائباً حقيقياً عن الشعب وليس نائباً للنائب "رئيس الكتلة" أو معاوناً على باب البوسطة التي يقله بها "أسيراً مجرداً من أي قوة شعبية" إلى المجلس النيابي، الذي لن يكون يوماً سيد نفسه إلا بسيادة كل نائب على نفسه أولاً وأخيراً. إن صيغة القانون الانتخابي التي سأطرحها هي في هدفها العام "وطنية"، مع أنها في البداية ستمارس بنسبة عالية، وذلك حسب الثقافة "المُرتدة للطائفية" والمسيطرة حالياً، بما يُشبه صيغة انتخاب كل طائفة لنوابها، ولكنها مع الوقت ستؤتي ثمارها الوطنية بسبب التداخل الجغرافي-الطائفي للمرشحين والناخبين ومصالحهما. إن القانون الانتخابي الذي يضمن انتخاب مجلس نيابي بتمثيل عادل ومباشر عن الشعب لممثلين معروفين منه وليسوا مفروضين عليه من طريق اللوائح المُعلبة، وأيضاً يكسر قيد الاحتكار الطائفي ويسمح بدخول وجوه جديدة -ربما تكون أكثر وطنية من الطبقة السياسية الحالية- إلى الندوة النيابية في كل دورة انتخابية، هو القانون المبني على قاعدة (انتخب من تعرف، لتعرف من تحاسب) والذي يعتمد على مبدأ: صوت واحد لكل مقترع (One Man, One Vote) في لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولحماية واحترام مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين يفوز بالمقاعد النيابية (أول 64 مرشحاً من الطوائف الإسلامية) وكذلك (أول 64 مرشحاً من الطوائف المسيحية) الذين نالوا العدد الأعلى من أصوات المقترعين كافة وحسب التوزيع العددي المعتمد لكل طائفة منهما. فهي الصيغة الانتخابية الوحيدة التي تجعل من النائب يمثل الأمة جمعاء، إذ أنه انتخب -على الأقل وفي أسوأ الأحوال- من أبناء طائفته كافة أينما انتشروا على كامل الأراضي اللبنانية، وتعيد العلاقة الوطنية المفقودة، وخاصة مناطقياً، بين النائب والناخب، وتخلق الخوف من المحاسبة لدى النائب عند ترشحه في الدورة التالية. أما وإذا لم تسمح هذه الطبقة السياسية باعتماد هكذا قانون ومهما فرضت من قوانين انتخابية، فإن احترام "المواطن" اللبناني الحرّ لذاته البشرية يفرض عليه أن يمارس قانونه الانتخابي "الشخصي" بأن يقترع فقط للمرشح الوحيد الذي يرغب بأن يمثله، ليضمن لاحقاً إمكانية محاسبته أو مكافأته. وإقفال الباب على تمادي الزعماء وإمعانهم في الاستعمال الجسدي (للبنانييهم) وخاصة لمن هم دون الـ21 عاماً، الذين يُستخدمون في زيادة العدد، وفي الوقت نفسه يحرمونهم حق الانتخاب، وإجبارهم على التعامل مع (لبنانيي) العقل والفكر عبر فرض الاقتراع الحر والمباشر، وإلغاء منطق الزعيم " السياسي أو المالي" الذي يستطيع شراء دائرته الانتخابية "القضاء، مثلاً" وينتقي ركاب "بوسطته". والهدف خلق 128 حزباً نيابياً، يتغير رئيس أي منها كلما قرر أعضاؤه "ناخبيه" أنه فشل في تحقيق ما انتخبوه لأجله. بحيث يصبح تداول السلطة قائماً بفعل الإرادة الشعبية المباشرة، وليس بفعل الإستزلام لأي كان أو لأي خارج. هل يَسمو الزعماء، فيسمحوا للبنانيين بالانتساب إلى "المواطنية" وممارستها بدلاً من "الطائفية" ولو تدريجياً...؟
	بقلم حسن سعد