فيلم بيرسيبوليس في مواجهة المقدسات!

مشهد من الفيلم

طلبت المديرية العامة للأمن العام اللبناني التريّث قبل عرض فليم "بيرسيبوليس" للكاتبة الايرانية مرجان ساترابي، الذي اثار جدلاً كبيراً حتى منع من العرض في ايران. هذا ما تناهى إلينا من وسائل الإعلام ومن الإنترنت. والحال أن طلب التريّث إنما يصب في خانة "المنع"، وضمن قانون المطبوعات والسينما في لبنان يحق للأمن العام منع دخول المؤلفات والكتب والأفلام التي يجد فيها مساً بالوحدة الوطنية وبمصلحة البلاد العليا، أو "إهانة للقيم الأخلاقية". طبعاً هذه سلطة استنسابية يملكها كل من الأمن العام ووزير الإعلام، وهي لا تعبّر إلا عن ضيق حرية الرأي والتعبير، وعن الغموض الذي يشوب قوانين السينما والمطبوعات والمرئي والمسموع والتي تبرر قمع حرية التعبير بحماية الامن القومي والحياء العام، على حساب حق الصحافي والمواطن والسينمائي والباحث، في الحصول على المعلومات الواضحة والشفافة.

الفيلم الممنوع من العرض مأخوذ من كتاب مصوّر لمرجان ساترابي، وترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية ودخل الأراضي اللبناني وموجود في الأسواق، وهو بالمناسبة حائز جائزة أفضل كتاب قصص مصورة من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. لكن لماذا، والحال هذه، يمنع الفيلم في لبنان؟

"بيرسيبوليس" يتحدث عن حوادث معروفة تعود الى السنين الأولى من الثورة الإيرانية: عن سقوط الشاه، وعن التلقين في المدارس والمجتمع، وزيادة الرقابة على الأماكن العامة من قبل حرّاس الفضائل والأخلاق، وعن الإعدامات الجماعية. ويأتي تريّث الأمن العام في سياق عدم إثارة حساسيات داخلية، وخوفاً من ردود فعل عنيفة في الشارع اللبناني (هكذا برر الأمن العام تريّثه) كما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، حينما قام برنامج "بس مات وطن" بتقليد شخصية السيد حسن نصرالله، أو حينما خرج الناس إلى الشوارع لنصرة النبي محمد بعد الصور الكاريكاتورية التي نشرت في صحيفة دانماركية! هكذا يصير البلد وقوانينه خاضعين للمزاج الشعبي، وليس إلى المعايير التي تحكم حرية التعبير في الدول الديمقراطية. فالفيلم مثلاً عرض في فرنسا وشاهده أكثر من مليون شخص، وهو يعرض اليوم في دبيّ أيضاً. وكان موقف إيران متشدداً من الفيلم إذ أعتبر المستشار الثقافي للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، مهدي كالدور، أن الفيلم ليس سوى انعكاس لما سماه "الاسلاموفوبيا" اي الهوس من الاسلام في فرنسا.

المشكلة تكمن ليس فقط في القوانين الإستنسابية، بل في الأعراف التي تأخذ أبعاداً متشددة وتتحول شيئاً فشيئاً إلى قوانين. فالخطوط الحمر والمقدسات بدأت تتوسع لتشمل أموراً وشؤوناً عدة، فإن مرّت الأفلام والكتب والمنشورات الصادرة في الخارج والمطلوب توزيعها في لبنان على رقابة الأمن العام، تطبيقاً لمعاييره التقليدية، قد تتريّث هذه الرقابة مراعاة لمعايير الوضع السياسي في البلاد، أو مراعاة لمقدسات طوائف وزعماء وآلهة يعيشون بيننا.